رئيس التحرير
عصام كامل

خامنئى لـ"مرسي": دولة المرشدين أم دولة المواطنين؟


قبل أسبوعين، أوردت وكالات الأنباء أن المرشد على خامنئى أرسل وسبعة عشر من مستشاريه رسالة إلى الرئيس المصرى محمد مرسي، حيا فيها الثورة المصرية، ودعاه إلى السير على نهج الإمام الخمينى والثورة الإسلامية وولاية الفقيه. وتابع: «إن نهج الإمام جعل من إيران عزًا للإسلام، وأقوى دولة فى العالم» .


وقد سبقت رسالة خامنئى عشرات الزيارات من مسئولين إيرانيين إلى مصر بعد وصول الدكتور مرسى للرئاسة.

وكانت زيارة الرئيس محمود أحمدى نجاد لمصر بمناسبة انعقاد القمة الإسلامية بالقاهرة، آخر تلك الزيارات. وهى زيارة آلمت أحداثها المحافظين الإيرانيين، ليس لأن أحمدى نجاد ما عاد يمثلهم بعد الانقسام عليه؛ بل لأنه فى زيارته لشيخ الأزهر سمع كلامًا قاسيًا عن التدخل الإيرانى فى الشئون العربية والخليجية على الخصوص، والمشاركة فى قتل الشعب السوري- وهذا فضلًا عن شكاوى من حملات التشيع، ومن ظلم أهل السنة فى إيران!

لذا، جاءت رسالة خامنئى بمثابة رد على ما نال أحمدى نجاد (وإيران) من إيلام. وتنبيه إلى طليعية الثورة الإسلامية وإيران، مقارنة بما يحدث فى مصر وبلدان الثورات العربية. وهكذا، فقد أراد خامنئى مبادلة الجرح بالجرح: فإيران هى التى تستحق التقليد والسير على خطاها فقط؛ بل الأحرى تقليد إسلامها أيضًا، من خلال «اقتباس» ولاية الفقيه بالذات! ولا نعلم إن كان مرسى قد رد عليه، لكن عددًا من قياديى «الإخوان»، مثل عصام العريان ومحمود غزلان، تبرأوا من التقليد ومن ولاية الفقيه!

فى العقدين الأخيرين، كان الأمر سهلًا على إيران: تدخل على العرب والمسلمين الآخرين من باب حماية الإسلام ومرجعية مرشد الثورة فى ذلك، وتتمدد فى بلدان الجمهوريات الخالدة مستتبعة الجماعات الشيعية، ومحتضنة الإخوان المقاتلين وغير المقاتلين، بينما هى ترفع راية فلسطين، وتتحدى الأمريكيين والإسرائيليين. ورغم أنها ما ارتاحت اقتصاديًا ولا سياسيًا منذ قيام الثورة، فإن صورتها عن نفسها أمام شعبها وأمام العالم، أنها هى الإسلام ذاته؛ ولذا فإنها فى سياساتها تجاه الجوار، وتجاه الإقليم والعالم، تسلك مسلك دولة التمهيد (لظهور المهدي)، ومن ضمن المهدوية والخلاصية يأتى النووي، وتأتى تلك البشارات شبه اليومية، بإنجازاتها فى سائر أنواع الأسلحة، وهى السياسات التى عرفها كل أقطاب وأبطال الحرب الباردة، استدامة للجبروت وإرغاماته، ودونما تفرقة ملحوظة بين الداخل والخارج، أو دونما تردد فى إخضاع الداخل من خلال عرض الأسلحة من جهة، وإرغامه على الطاعة والتسليم تحت وهج «الانتصارات» الخارجية!

ويملك «الإخوان» نفس الدعوى، ونفس العقلية. فالدعوى أنهم ولاة أمر الشريعة، ويريدون استعادة الخلافة، وإنْ بصيغة مخفقة. لكنهم جاءوا إلى السلطة فى سياقات أخرى، وفى زمن آخر. ولذا، فقد نظروا منذ البداية إلى منْ ينصحهم علنا بإقامة حكم الإسلام، وولاية الشريعة - أنه إنما يريد إحراجهم. فهم ورغم خروجهم إلى العلانية، لن يكشفوا عن كامل مشروعهم إلا بعد «التمكين» الذى لم يتحقق بعد. ولديهم مشكلة أخرى، هى أنهم لا يستطيعون ادعاء السواد فى عالم الإسلام السنى (مثلما تزعم إيران تزعُّم العالم الشيعي)، وذلك لأن لديهم إلى يمينهم السلفيين، ولديهم فى الجوار السعودية بلاد الحرمين. إنما التحدى الأوضح فى العلنيات أنهم جاءوا على أثر ثورة الحرية أعلى مطالبها الحرية، والشبان الثوار لا يريدون الخروج إلى قيم وأنظمة شمولية أخرى. وهذه الإرغامات تفرض عليهم التظاهر بالانكفاء للداخل، لأن هذا هو المزاج الشعبي. ثم إن العين بصيرة واليد قصيرة، رغم الطموحات والمبالغات بشأن دولية «الإخوان» وعالميتهم. فالإسلام السنى لا يقبل زعامة أوحدية باسم الدين، وسواء أكانت لحزب أو فرقة أو مدرسة عقدية أو فقهية. وقد حاولت عشرات الدويلات التحول إلى إمبراطوريات من خلال الربط بين أوحدية السلطة وأوحدية المذهب، أو الفرقة، دون جدوى. وفى الأزمنة المعاصرة، ورغم سواد القطبيين فى أوساطهم، اضطر «الإخوان» إلى القول ظاهرًا بالدولة المدنية، أى دولة المواطنة والمواطنين، سواء آمنوا بها أم لم يؤمنوا، وهو ما لم يضطر إليه الفقيه الإيرانى أو أنه أصم أذنيه عن ذلك، كما حدث عدة مرات، آخرها انتخابات الرئاسة فى عام 2009.

إن المهم أنه بعد عام على المحاولات للتقرب إلى إخوان مصر فى السلطة؛ فإن الإيرانيين أظهروا للمرة الأولى تذمرا عندما تحدى شيخ الأزهر دعاواهم الاستيلائية باسم الدين والمذهب؛ فردوا على المصرين بالدعوة لاعتناق ولاية الفقيه، التى لا يخجلون بها، بل الأحرى أنهم يعتزون بنموذجهم السلطوي، ويدعون الآخرين لاعتناقه أو تقليده، باعتباره النموذج الإسلامى الأصلح فى السيادة والحكم!

ويسمى الإيرانيون زعيمهم مرشدًا، وكذلك الإخوان المصريون. وينفرد المرشد الإيرانى بجمع الدين والدنيا تحت قبضته. ولا شك فى أن الإخوان المصريين لا يزالون يحكمون بوصفهم حزبًا له زعامته الدينية المرشدة. لكنهم لا يملكون المرجعية الدينية، باعتبار أن الحكم (فى منظومتهم العقدية) هو للشريعة، كما أن المرجعية المشرفة على تطبيق الشريعة هى للأزهر كما نص على ذلك الدستور. فقصارى جهدهم منصب على الوصول للسلطة والتشبث بها؛ بينما تملك الإمامة الخمينية أهدافًا نشورية وخلاصية، ليس لدى «الإخوان» شيء من مهدياتها وعصمتها!
ماذا يحدث الآن، وإلى أين تتجه الأمور؟ لقد أقام الإيرانيون ثانى دولة دينية فى الشرق الأوسط بعد إسرائيل. وعلى وقع بشارات المهدوية والقوة، تمددوا داخل العالمين العربى والإسلامي. ودائما تحت عناوين تحررية وإسلامية.

وبذلك، فإنهم يعتقدون أنهم يستطيعون طرح نظامهم بديلًا، لكنْ، لا مستند للنجاحات الإيرانية غير «المواجهة» مع أمريكا وإسرائيل، وإنشاء محور «الممانعة» فى قلب البلاد العربية.

ما كانت رسالة خامنئى إلى «الإخوان» رسالة ود وتحالف، بل هى رسالة تأزيم وتحد ودعوة للدخول إلى المأزق. فولاية الفقيه لا حظوظ لها فى العالم العربي. وهى تمضى من الدينى إلى المذهبي. و«الإخوان» ضائعون بين المشروع الأصلى وضرورات البقاء فى السلطة، وفى كلا الأمرين لا لقاء مع خامنئي.

سمعت أردوغان يقول: لقد أصغينا لفترة لدعوات الحاكمية والمرشدين. ثم أصغينا لفترة لدعوات الإمبراطورية. ونحن نرى الآن أنه لا يبقى شيء غير الازدهار الاقتصادى ودولة المواطنين.

نقلاً عن الشرق الأوسط
الجريدة الرسمية