رئيس التحرير
عصام كامل

"طه حسين" لزوجته: بدونك أشعر أني أعمى حقًا

طه حسين
طه حسين

"كأنه تلك الشمس التي أقبلت في ذلك اليوم من أيام الربيع فجلت عن المدينة ما كان قد أطبق عليها من ذلك السحاب الذي كان بعضه يركب بعضا والذي كان يعصف ويقصف حتى ملأ المدينة أو كاد يملؤها إشفاقا وروعا وإذ المدينة تصبح كلها إشراقا ونورًا"..


في 12 مايو 1915، وبالتحديد في مدينة "مونبليه" الفرنسية، كان هذا الشاب الذي لم ير من جمال الدنيا شيئا، حتى أنه حُرم من رؤية وجهه في مرآة، على موعد مع الفتاة التي خطفت قلبه من أول كلمة نطقت بها.

تعرف الدكتور طه حسين، على سوزان عندما كانت تقرأ مقطعا من شعر رايسين فأحب نغمات صوتها وعشق طريقة إلقائها، وتعلق قلبه بهذا الطائر الأجنبي الذي حط في أعشاش قلبه الحزينة، متذكرا قول بشار بن برد "والأذن تعشق قبل العين أحيانا".

المتأمل في حياة عميد الأدب العربي، يشعر بصدق المثل القائل "وراء كل رجل عظيم امرأة"، ففي حياته نساء شاركت أيامه، ولعل زوجته الفرنسية "سوزان بريسو"، التي قال عنها: "كانت صديقتي، وأستاذًا لي، عليها تعلمت الفرنسية، وفقهت ما أستطيع أن أفقهه من أدبها، وعليها تعلمت اللاتينية، واستطعت أن أجوز فيها امتحان الليسانس، ومعها درست اليونانية، واستطعنا أن نقرأ معًا بعض آثار أفلاطون".

كان يعلم حسين أن صعوبات كثيرة في انتظار قصة حبه، فبين قلبه المفعم بالحب، واستحالة ارتباط تلك الفتاة المسيحية بذلك الشاب المصري الكفيف، وبإصرار قال لها: "اغفري لي، لابد من أن أقول لك ذلك، إني أحبك"، ومرت لحظات عليه كالدهر حتى نطقت بكلمات نزلت على مسمعه كالصاعقة، وقالت: "ولكني لا أحبك"، صمت العاشق للحظات – حبس أنفاسه – لثواني معدودات، وبصوت حزين قال: "إنني أعرف ذلك جيدا، وأعرف جيدًا كذلك أنه مستحيل".

حب عميد الأدب العربي، لفتاة فرنسية كان بمثابة تزاوج أرواح بين ضفتي المتوسط، ومحاكاة حضارة الشرق والغرب، وظل حسين لا يستطيع نسيان ذلك الصوت الذي رن في أذنيه أثناء جلوسه في مقعده بقاعة المحاضرات في جامعة السوربون، صوت صبية حنون تقول له بعذوبة: إني أستطيع أن أساعدك في استذكار الدروس، وكانت صاحبة الصوت ما هي إلا "سوزان"، حتى استطاع أحد أعمامها أن يقنعها وكان ذلك العم قسيسا، وقد قال لها: مع هذا الرجل يمكن أن تثقي بأنه سيظل معك إلى الأبد "فتزوجته في التاسع من أغسطس 1917".

"سوازن" استطاعت أن تغير من حياة هذا الشاب الذي جاء من قريته فقيرًا، وكان يتناثر الأكل على ملابسه عندما يأكل، وكان هندامه يعرف كيف يعتني به، وأصبح ممتنًا لها، حتى عندما كانت نائمة أشار إليها وقال لابنته: إن هذه المرأة جعلت من أبيك إنسانا آخر!

زوجة الأديب المصري جاءت إلى القاهرة لتكون بجانبه عام 1919، ورافقتها ابنتهما الأولى أمينة ابنة الـ 16 شهرًا، ثم أنجبت منه طفلًا آخرًا أسمياه مؤنس، وبقيت سوزان في مصر حتى بعد رحيل زوجها، ولم تغادر البلاد مطلقًا حتى توفيت عام 1989، عن عمر يناهز 94 عامًا.

"أمينة" هي بكر العميد، وأول فرحته، كان كثير التدليل لها ويداعبها وشقيقها مؤنس بأبيات من "الشعر الجاهلي"، والمعاناة كانت تأتي عندما يبتعد عنهما سواء لسفره أو سفرهم، فرغم رصانته وهدوئه كان عاطفيا مع عائلته لأقصى الحدود.
الجريدة الرسمية