فضيحة الإعلام و«العنتيل السلفي» !!
نعم.. نحن مجتمع «متدين بالفطرة»؛ لذلك يهتم معظمنا بأخبار «الإثارة» و«النميمة»، فتجد - مثلًا - خبرًا عن «فستان» أو «مؤخرة» فنانة عالمية، يثير حالة من الاهتمام والجدل أكثر من قرار لرئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية!
وعندما يُصدر بعض المحسوبين على رموز المسلمين أو المسيحيين «رأيًا» شاذًا، تتسابق وسائل الإعلام على استضافته، وتفرد له مساحات كبيرة؛ ليبث سمومه في المشاهدين بدعوى «حرية الرأي والاعتقاد»!
ووقعت الفضائيات في خطأ فادح عندما تسابقت على استضافة بعض «الشواذ» و«المتحولين جنسيًا» ليتحدث كل منهم عن تجربته عندما ظهرت عليه علامات الشذوذ، وماذا عن إحساسه؟ وما الذي يتطلع إليه؟.. وشغل الإعلام نفسه، وشغل معه الرأي العام بحالات «فردية»، لكنه - أي الإعلام - تعامل معها وكأنها «ظاهرة»!
نفس الأمر بالنسبة لمقدمي برامج التوك شو، فقد تسابق كل منهم على إحراز هدف مبكر في مرمى زملائه، من خلال الاستحواذ على المشاهدين بأية طريقة، فبعضهم استضاف خبيرة في العلاقات الزوجية والأمراض الجنسية على مدى عدة حلقات؛ لتتحدث عن «طرق ممارسة الجماع»،و... إلخ.. بينما استضاف أحدهم الشيخ «ميزو»؛ ليحدث المشاهدين عن «الزنا الحلال» من وجهة نظره!
وبينما كانت وسائل الإعلام العالمية تحتفي بهبوط المركبة الفضائية «فيلة» بنجاح على سطح المذنب «67 بي»، وبمشاركة أربعة مصريين - للمرة الأولى في التاريخ - كان إعلامنا وبرامج التوك شو عندنا تحتفي بـ«العنتيل السلفي».. وكأن مشاركة «4 مصريين» في حدث تاريخي كهذا «فضيحة»، لا ينبغي أن نطلع القارئ على تفاصيلها..!
هذا التجاهل للحدث العالمي تم في الوقت الذي كان إعلامنا المحلي - بمختلف ألوانه - يهتم بإطلاع القارئ والمستمع والمشاهد على أدق تفاصيل «فضيحة العنتيل»، "حياته الشخصية، انتماؤه الحزبي، نشاطه السياسي، كيف كان يستقطب ضحاياه، كم ضحية مارس معها الرذيلة، الأوضاع التي صورها لضحاياه...؟!".
ما سبق لا يمكن تبريره بمنطق «السبكي» بأن «الجمهور عاوز كده»، فالإعلام يختلف اختلافًا كليًا وجزئيًا عن الخلطة «السبكية»، فالرسالة الإعلامية تهتم بزيادة الوعي لدى الشعوب، والارتقاء بـ«العقول»، بينما السبكي لا يجيد إلا التعامل مع «العجول»، باعتباره «جزار شاطر»، ويعرف من أين تؤكل الكتف؛ لذا فإن اهتمامه ينصب في المقام الأول على كم الأموال التى ستدخل جيبه، لا كم المعلومات المفيدة التي ستدخل عقل المشاهد!
إن وسائل إعلامنا أثبتت فشلها في التعاطي مع الأحداث المهمة، وكيفية توجيه الرأي العام، والأخذ بيده نحو القضايا الهادفة.. وبعد أن كان الإعلام يقود دفة الأمور، أصبح منقادًا وراء الإثارة، وتجاهل - سواءً عن عمدٍ أو جهلٍ - «فقه الأولويات»، كما يقول علماء الدين.
لقد لخصت أخبار «العناتيل» - جمع عنتيل - و«مؤخرة» كيم كاردشيان، الحال الذي وصل إليه معظم المصريين - المتدينين بالفطرة - كما لخصت حال وسائل الإعلام التي باتت تتنافس فيما بينها لنشر أكثر الأخبار إثارة.. وبات معظم الصحفيين يؤمنون بأنه كلما كان الفستان «قصيرًا»، والأرداف «مثيرة» زادت أهمية «الخبر»، وجذب أكبر عدد من «القراء»!
نحن الآن في مرحلة فارقة.. نحتاج فيها إلى شعب واعٍ، وإعلام يدرك طبيعة المهمة الملقاة على عاتقه.. فهل يثوب الجمهور إلى رشده؟ وهل يفيق الإعلام من غفوته، ويدرك أن مهمته الأولى الارتقاء بالشعوب إلى أعلى، لا أن يهوي بهم إلى أسفل سافلين؟!