عودة مبارك إلى الاتحادية !
الذي شاهد مظاهرات الحوثيين وأنصار على عبد الله صالح في اليمن، جنبًا إلى جنب ضد العقوبات الجديدة التي فرضتها الأمم المتحدة على بعض الشخصيات اليمنية، وعلى رأسها على عبد الله صالح نفسه - الرئيس غير المخلوع حتى الآن - يدرك ويعى ويفهم ما كان عليه عصيًا في اليمن غير السعيد بما رزق من مصائب في وحدته الصلبة التي بدأت تلين.
لم يختفِ على عبد الله صالح عن المشهد، ولم يعترف بضرورة اختفائه طلبا لاستقرار بلاده، وإنما ظل العنصر الأهم في المشهد اليمني، لا تستقيم الأمور بدونه، وأصبح ومن معه عناصر مهمة في يد الحوثيين وغيرهم ممن قادوا ثورة مضادة أو ثورة من أجل مصالح تلاقت مع مصالح على عبد الله صالح، وأصبح أعداء الأمس أصدقاء اليوم.. الخلاصة أن المظاهرات التي انطلقت في العاصمة اليمنية صنعاء.. خرجت مدافعة عن صالح بل ومطالبة به رئيسا فهل اختفى حسنى مبارك عن المشهد المصرى؟
كل الوقائع تشير إلى أن مبارك لم يُخلع حتى تاريخه.. له أتباع وعنده مريدون ولديه صحف وصحفيون يدافعون عنه بطريقة «من رأى زوجة أبيه أدرك قيمة أمه».. وبالطبع كانت جماعة الإخوان الإرهابية أسوأ زوجة أب في التاريخ.. وهناك وزراء وخفراء وأساتذة بالجامعات ومواطنون بسطاء وسائقو تاكسى.. كلهم يرون مبارك جزءًا من معادلة الحل.. حتى جماعة الإخوان نفسها كانت ترى مبارك جزءًا لا يتجزأ من الحل.
مضت الأيام ومبارك قابع خلف سور لم نره، غير أن هذا السور لم يعزله عن رجاله وحوارييه فظلوا يعملون ليل نهار حتى دفعوا إلى سدة الحكم رجلا ساذجا وجماعة دموية.. اختفوا قليلا وتركوا الجماعة بكل صلفها وعنفها وعنصريتها تفعل ما تفعل في الناس.. استفاق الناس إلى أهوال ترتكبها جماعة الحمق الدينى.. صرخوا ومن خلفهم ومن أمامهم جماعة مبارك.. الكل في نفس واحد الشعب يريد إسقاط الإخوان، رغم أن الإخوان كانوا جزءا لا يتجزأ من نظام مبارك لكنه النظام الأذكى الذي يضحى بجزء من أجل العودة الكاملة.
بعد السقوط الهزلى لنظام مبارك، كنا نتذكر كم كتبنا في هذا الرجل عندما كان يشير بإصبعه محذرا من يحاول النيل من مصر وأمنها القومي، ولم نكن نرى أنه فعل فيها ما لم يفعله شارون فينا.. ستقول إنه واحد من أبطال أكتوبر، وهذا صحيح وستقول إنه كان مقاتلا شرسا وهذا صحيح.. ستقول وقد قلنا من قبلك أيام أن كنا نكتب له شاكين من رجاله وأتباعه من ممارسات كنا نتصورها ظلما، وكنا نتوهمه رافعا لهذا الظلم.. لم نكن ندرى حجم الفساد الذي زرعه في النفوس ولم نكن نرى حجم البيع الذي باعه لوطن تبدد ولم يعد قادرا حتى على التواصل مع عمقه الأول في أفريقيا.. أفقنا على مصيبة وكارثة.. واكتشفنا أننا عشنا زمنا من الوهم وأدركنا أننا شاركنا في صنع هذا الوهم.
لم يختفِ مبارك ولا رجاله وإنما تخفوا.. ولأن الوضع في اليمن غيره في مصر فإن القبلية فرضت على صالح أن يظل ماثلا في الصورة في حين فرضت على مبارك أن يمثل دور المظلوم.. عاد رجاله على استحياء وشاركوا في وضع المجهر على مجموعات شبابية من السذج والحمقى والمتواصلين مع قوى أجنبية وتم وضعهم جميعا في سلة واحدة.. سلة الثورة.
نجحت فضائيات وصحف بل وشارك مجلس طنطاوى في إفساد البقية الباقية من هؤلاء الشباب وفجأة انفتح البربخ.. بربخ الصرف الصحى في فضائية حزب الكنبة والدكتور شارلوك هولمز، ومع انفجار هذه الماسورة اختلط الحابل بالنابل وتم تصوير الأمر كله باعتباره مؤامرة، وانطلقت أصوات تسب وتلعن أبو أم الثوار متوهمين أن هؤلاء الخمسة أو الستة أو العشرة هم سعد زغلول العصر.
وبحسبة دقيقة، بدأ القابعون خلف الأسوار يرون نور العصر الجديد فلم يمتثلوا بل مضوا في غيّهم يعمهون.. اندسوا في كل مكان.. في الإعلام وفى غير الإعلام..عادوا قوة لا يستهان بها.. يتحالفون هنا ويفكون ارتباطهم هناك.. يخططون لاختطاف البرلمان وربما يسعون إلى اقتسامه في تحالف إخوانى فأعداء الأمس قد يصبحون أصدقاء اليوم فلا الإخوان يرفضون عودة مبارك ولا حزب مبارك كان في يوم من الأيام رافضًا للجماعة.
قد لا يكون الوقت طويلا لنرى مظاهرة في قلب القاهرة يقودها إخوان مرسي وحزب مبارك الوطنى الديمقراطي، يطالبون فيها بعودة مبارك رئيسا، وذلك كله تحت شعار «رفضًا للإملاءات الأجنبية وإمعانًا في ضرب المخطط الأمريكى وإعلانا لانتصار إرادة المصريين نطالب بعودة مبارك رئيسا وزعيما خالدا للبلاد».. ساعتها لا تستغرب كيف دارت الدنيا فالتاريخ يعيد نفسه بين القاهرة وصنعاء.