لماذا تصمت الداخلية أمام جرائم اختطاف الأطفال؟
سؤال مشروع وجهه لي ولكم وللواء محمد إبراهيم وقبله رئيس الجمهورية، والد الطفل يوسف محمد صابر المختطف من أمام منزله بشارع حسن محمد، بحي فيصل المزدحم بالجيزة، لماذا يصمت رجال الداخلية أمام جرائم اختطاف الأطفال المتكررة داخل مجتمعنا دون رادع؟
الرجل البسيط الذي يعمل خبازًا ويرعى زوجته و3 بنات في عمر الزهور يصغرهن يوسف المختطف صاحب الثلاث سنوات، كان أكثر تعقلًا في طرح تساؤلاته، من الشرطيين الذين اكتفوا بتحرير محضر "تغيب" لنجله كعادة أمثالهم من غير المؤهلين لحماية الأمن المجتمعي أو البحث الجنائي والتحري المحترف عن متهمين أو عصابات في مثل هذه الجرائم، وكان أكثر رفقًا في وصف تخاذلهم في عملهم، بدرجة أكبر من ضمائرهم التي لم تهتز تجاه ملامح الطفل الرقيق، التي اكتفوا برسمها بحروف جافة على ورقات ظلت حبيسة أدراجهم قبل دخولها ملفات الحفظ.
تخيلوا هذا الرجل الشريف، حينما يوجه النصائح لضابط يحصل على راتبه، من ضرائب تحصدها حكومته من عرقنا كل ساعة، ويجرى تحريات حول الواقعة بنفسه غير مكتف بالتحريات "الدفترية" التي يفتكسها المتكاسلون، فيطلب تحريز كاميرات بنك شهير يقع فرعه على شارع فيصل الرئيسي بجوار إدارة الهرم التعليمية، ربما رصدت مختطف "يوسف" حينما حاول الهرب به عبر هذا الطريق، ويجد الرد غير الرسمي، بأنها كانت معطلة، بينما سبق ورصدت قبل أيام من اختطاف ابنه، أحد اللصوص الذين تعرضوا لأحد عملاء البنك بسرقة أمواله، وساهمت في وصول الشرطة إليه في أسرع وقت.
والد "يوسف"، ذلك الطفل الذي لا نتمنى صفاته كبيرًا بعيدة عن ابن يعقوب، طرح التساؤلات المنطقية التي يسهل على أضعف جهاز أمني الإجابة عليها، لماذا لا تقوم وزارة الداخلية بشن حملات على أوكار عصابات اختطاف الأطفال، كما تفعل مع البؤر الإجرامية لجماعة الإخوان، وتتذكر بين الحين والآخر مهاجمة أوكار كبار تجار السلاح والمخدرات؟
وما الذي يعرقل إرادة ضابط يتجه إليه أب جريح وأم مكلومة، عن تحرير محضر لهما باختطاف ابنهما؟ وكيف يفسر لفظ "تغيب" من درس القانون، ليطابقه بحالة طفل مسلوب الإرادة؟ ولماذا يذهب ضابط بكلماته إلى تحميل الأب مسئولية البحث عن طفله، والوصول لخاطفيه والتفاوض معهم؟ وفى حالات أخرى يكون الخاطفون أقرب إليه من نجمة رتبته الأمنية، لكنه لا يحرك ساكنًا تجاههم.
سمعت مؤخرًا ضحايا سرقة سيارات بالإكراه يوجهون اتهامات لضباط الشرطة، بأنهم أصحاب نصائح بالتفاوض مع اللصوص ودفع المبالغ المطلوبة لهم كي يستعيدوا سياراتهم، وتباعًا طالت الاتهامات ضباطًا بشكل مباشر بأنهم شركاء لهذه العصابات وأكثر اتصالًا بهم وتنسيقًا معهم، بعد أن تلاعبت الظنون بعقول الحائرين من الضحايا، حتى إن بعضهم اعتبر نموذج خالد صالح "الضابط الفاسد بفيلم تيتو"، وخالد الصاوي "الضابط صاحب العلاقات المشبوهة بمحترفي الإجرام في فيلم الجزيرة"، هو السائد داخل وزارة أُسندت إلى رجالها مهمة حماية أمن المجتمع وسلامة أفراده وصون ثرواتهم.
ربما ظهر بين القانعين بأن الداخلية عادت بسياسات وممارسات أسوأ مما سارت عليها ضباطها قبل ثورة 25 يناير، من يتحملون أنباء قسوة منتهكي حقوق الإنسان داخل مقار الاحتجاز، لكنهم لا يطيقون تواطؤ وتراخي هؤلاء مع عصابات اختطاف أطفالهم والاتجار بهم وبيع أعضائهم، ولا يتخيلون أن يتحول المتخاذلون ساعة إلى "مستثمرين" في أزمات المجتمع بعد سنوات وعقود، يترعرع خلالها الأطفال المختطفون من أحضان أهاليهم، أسفل الكبارى وعلى الأرصفة وبين السيارات المتوقفة في إشارات المرور، ليقيموا معهم علاقات مشبوهة على طريقة "تيتو" والضابط خالد صالح.
أعتقد أن خبيرًا أمنيًا أو محترفًا في وضع خطط مكافحة الجرائم، لن يكون أكثر وعيًا، من هذا الخباز البسيط، والد الطفل "يوسف" الذي لا نتمناه "تيتو" جديدًا لضابط معدوم الضمير.