البصمة الإنسانية
تحدثنا من قبل عن خطأ إتمام الزواج في حالة وضوح التنافر بين الطرفين، واليوم نعرض أسباب ارتفاع معدلات فسخ الخطوبة لدرجة مفزعة، ومنه افتقاد الكثير من الشباب القدرة على التفرقة بين الصفات الجوهرية غير القابلة للتغيير، والعيوب الثانوية التي يمكن تقبلها، كذلك ضعف القدرة على التواصل الجيد مع الآخرين.
فترة الخطوبة ليست وردية بلا مشاكل كما يظن البعض، فبالرغم من أنها فترة مليئة بالحب والمشاعر الإيجابية إلا أن صعوبتها في القدرة على التطبيع بين طرفين من بيئتين مختلفتين حيث جاء كل منهما حاملا طباعه الخاصة وثقافتة المختلفة، وعلى الإنسان أن يتفاعل في حياته مع الآخرين، يتفق معهم ويخالفهم ويختلف عنهم، فالله سبحانه وتعالى لم يخلقنا متشابهين، وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ( وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) سورة هود: 118 ؛ ولذلك فإن لكل واحد من بني البشر شخصيته وفكره وطبيعته الخاصة وهو الأمر الذي يطلق عليه علماء النفس " البصمة الإنسانية " فإذا أدرك الخطيب والخطيبة أن الاختلاف بين البشر هو من الأمور الطبيعية وأننا يجب أن نقبل بعضا على اختلافاتنا بحيث لا تؤدي هذه الاختلافات إلى خلافات مستحكمة فإن فرص نجاح الزواج المرتقب ستكون كبيرة.
وأول المشكلات التي قد تواجه المخطوبين هي المشكلات المادية حيث تتجه كثير من الطبقات الاجتماعية إلى المغالاة في المهور ونفقات الزواج، مما يرهق الخطيبين وأسرتيهما أيما إرهاق، ولاشك أن كلا من التواصل والتوافق بين الخطيبين من شأنه أن يحل كثيرا من هذه المشكلات والعقبات، وذلك عن طريق التفاهم والنقاش والحوار والبحث سويا عن تكاليف معقولة للزواج بحيث لا تثقل كأهل الخطيب، فالمودة التي تنشأ بين الخطيبين والتفاهم بينهما من شأنهما أن ييسرا الأمر، ومن شأنهما أيضا أن يقنعا الأسرتين بالحدود المعقولة للإنفاق، بحيث لا تكون نفقات الزواج واقعة بين الإسراف والتقتير.
ويواجه الخطيبان أيضا مشكلات فكرية تتعلق بالقناعات السياسية، والتوجهات الدينية، لكن الحوار والمناقشة الهادئة هنا من شأنهما أن يقربا المسافات بين الطرفين، على أنه يجب أن يعلم كل طرف أن هذه القناعات الفكرية والسياسية والدينية هي من الأمور التي يرد عليها الاختلاف في الرأي كما أن الإنسان يتطور فكريا مع تنوع ثقافته وتنوع المشارب التي يستقي منها، ويجب أيضا أن يعلم كل طرف أن هــذه المعارف نسبية يـرد عليها الخطأ والصواب، ولـذلك فليس مـن الصواب التعصب للرأي بصورة يفقد معها الإنسان تواصله مع الآخر، لذلك أوصيكم بالاختيار الجيد من البداية، ثم التعرف على الطرف الآخر وتقييم شخصيته، والاتفاق على أسس وضوابط الحياة الزوجية فيما بعد.