ليلة سوداء.. لو جارك رئيس الوزراء!
كررتها من قبل، كما كررها أجدادنا الذين ذاقوا الأمرين مع سلطة غاشمة في مصر، بطانتها وحراسها أقوى منها وأطول عمرًا وأكثر تجذرًا في الحكم، "كل برغوت على قد دمه في هذا البلد"، وتثبتها الأيام تباعًا مع ذوي الحظ السيئ من الشرفاء أمثال المهندس هشام الخولي وزوجته الدكتورة منى محيي الدين الأستاذة الجامعية.
بالأمس تلقيت رسالتهما المؤلمة التي توجع كل صاحب ضمير حى، ولا تحرك شعرة لدى مسئول في حكومة لا يعرف كثيرون داخلها معنى صون كرامة المواطن، وقليل منهم من تعلم كيف يخاطب أهل البلد بعد ثورتين.
اشترى المهندس هشام وحرمه، قبل أربعة أشهر، مسطحًا مساحته 213 مترًا بالطابق الأرضى بالعقار رقم "..." بشارع "...." بالحى السادس مدينة نصر، مع حقه في الانتفاع بمساحة فضاء حولها تزيد على 300 متر، من البائع "هـ. ع. هـ"، مقابل مبلغ مالي قدره 750 ألف جنيه يمثل تحويشة عمره وصبره بين رمال عدة أفدنة على الطريق الصحراوي التي حولها إلى جنة خضراء يأكل منها المصريون، ولم يقم كحيتان الطريق بتبوير شبر منها.
ومنذ شهر بدأ الزوجان تشطيب المكان ليكون وحدتين سكنيتين يضمنان بهما مستقبلًا آمنًا لطفلتيهما الأروع جمالًا وسلوكًا، لكن لأنهما كالأيتام في بلد يري فيه أصحاب النفوذ الكعكة بأيديهما "عجبة"، توالت المصائب عليهما، فجيرانهما من كبار الشخصيات بحكومة محلب، أحدهما لواء ومحافظ كبير بصعيد مصر، والآخر قاض على المعاش ومحام حاليًا، أما الثالث فهو لواء بجهاز الأمن الوطنى، أو قل أمن الدولة حتى يفهم القارئ المعنى بوضوح.
وهكذا سيرة أكثر سكان العقار الذي لم تطأه أقدام هشام وحرمه في المرة الأولى، إلا ليطرقوا أبواب "جيران الهنا" للتعرف عليهم، فالنبى أوصى على سابع جار ولو كان محافظًا أو ضابطًا كبيرًا بجهاز أمن الدولة، فمن زملائه من يستشهد بالتأكيد دفاعًا عن أمننا ويكرر هشام وزوجته الدعوات له، وتنزل دموعهما حسرة على مصير أطفاله بعده.
منذ شهر تقريبًا بدأ هشام تشطيب ملكه الجديد الخاص به وزوجته، وفى اليوم الأول كان مصير عمال المحارة والبناء الضرب والتلطيش ومصادرة الآلات والمعدات من قبل رجال حى مدينة نصر الذين حضروا برفقة ضباط وأمناء قسم شرطة أول، وبعد أن أدوا ما عليهم في خدمة الباشوات الكبار "جيران الهنا"، اصطحبوا هشام إلى قسم الشرطة وحرروا له محضرًا قبل أن تخلى النيابة سبيله، والتهمة تشطيب شقته..!!
عاد هشام للمكان ليجد باشوات العقار يؤكدون له "مش هاتبنى طوبة ولا هاتسكن معانا"، أما مهندسو الحى ومسئولو المرافق فشتتوا أفكاره بقولهم "حوله جراج أحسن وأطلب رخصته وسدد لنا الرسوم.. الباشوات مش عاوزين ساكن جديد تحت عندهم"، ولما عاد ليحاول فهم موقف جيرانه منه ردوا عليه بهدوء "لا هاتسكن ولا هاتعمل جراج.. وبكرة تخسر كل فلوسك هنا"..!!
ترك هشام المكان ربما بحثًا عن فرصة يلتقط خلالها أنفاسه وتهدأ أعصاب جيران الهنا، فلا يزال يتوسم فيهم خيرًا وفى مناصبهم الترفع عن الصغائر، كونه أحد المواطنين الذين اعتادوا السير "جوه الحيط"، وبعد أيام عاد مصطحبًا عمال التشطيب، فقام حراس أحد جيرانه بتهديدهم والاعتداء عليهم، وجاء الرد من جيران الهنا على انفعال هشام ونطقه عبارة "طيب اللى طمعان في الدور يشتريه وأنا أرحل عنكم"، بقولهم وتهديدهم "نطمع فيك أنت يا....، أنت لا هاتبنى ولا هاتعيش وسطنا، والمكان ده هايتاخد منك وبالقانون"..!!
مرة أخرى عاد هشام إلى بيته وانتظر حتى تهدأ أعصاب الباشوات وحراسهم، ربما تنال أيام عيد الأضحى من جشعهم بعد أن يلتهموا خراف الأضحية، لكن المفاجأة كانت في قيام حراس شخصية كبري بين جيرانه، ببيع أبواب ونوافذ مكانه وتحطيم أسقف سبق له تشطيبها جزئيًا، فيما وقف رجل القانون ساخرًا منه وقائلًا "أنت مشيت من هنا وحضر واحد تانى قال أنه مالك المكان ومعاه عقد.. وقام ببناء جدران لتقفيل الطابق كله، يعنى بقى معاه حيازة.. وطظ في عقد ملكيتك".
هذا هو الأمر الواقع الذي يفرضه أهل السطوة والنفوذ على مواطن مغلوب وزوجته على أمرهما، ومع افتراضنا صدق ما ينطقان به، خرج هشام من العقار لأقرب مكتب بريد ليرسل وزوجته تلغرافات استغاثة إلى الرئيس السيسي ورئيس الوزراء والنائب العام ووزيرى الداخلية والتنمية المحلية، يناشدهم التدخل الفورى لوقف جبروت الباشا المحافظ والباشا اللواء بالأمن الوطنى، قبل أن يشجعه من حوله على اتخاذ قرار باصطحاب عمال تشطيب مجددًا صباح اليوم إلى نفس العقار، ليبدأ محاولة استعادة حيازته والشروع في تجهيزه.
ربما لا يعود المهندس هشام مجددًا إلى بيته وأنتم تقرأون هذه السطور، لكن من المؤكد أن دولة الفساد والاستبداد تحتاج إلى قرون من الثورات للتخلص منها، فمنظومة مبارك قائمة رغم سقوط نظامه، وستجبر هشام بالضرورة على القيام بتشطيب الطابق الذي اشتراه في عقار الباشوات، قبل أن يتسلموه منه "على المفتاح"، وبدلًا من أن تحيا داخله زهرتا عمره وزوجته، يحتله ضابط تعذيب نشء أو يرتع داخله أحد مفسدي المحليات تحت التدريب.
وإلى حين تستيقظ مصر الجديدة التي وعدنا بها الرئيس السيسي، علينا أن نعى حقيقة واحدة، أن كارثة السكن إلى جوار ضابط كبير بالداخلية أو محافظ يترقب خروجه من منصبه في أقرب حركة، تعنى أن ليلة أمهاتنا ستكون سوداء، إذا صادفنا الحظ وكنا من جيران الباشمهندس رئيس الوزراء أو الباشا وزير الداخلية.. مثلًا..!!.