عالم الجن والملائكة
لقد تكلمت في مقال سابق بعنوان الإعلام البيئى بين النظرية والتطبيق وتكلمت فيه عن أهمية الإعلام البيئى في النهوض والرقى بسلوك المواطن المصرى. وأننا قد افتقدنا في حياتنا هذه الإعلام وكانت نتيجة ذلك هو انحدار السلوك العام في الشارع المصرى فكانت هذه بيئة صالحة لوجود نوعية من الفن الهابط في السينما والتي تقدم نماذج قذرة في المجتمع المصرى ويسعى هذا الإعلام بأن يجعلنا نتعاطف مع تلك النماذج أمثال عبده موتة وصولًا إلى المواطن برص.
حتى في مجال الغناء فلا مجال للأصوات والكلمات الراقية فكلما انحدر مستوى الكلمات وتعفنت الموسيقى وأصبح أصحاب الآذان النظيفة يتأففون منها كلما ربح وكسب الملايين أصحاب تلك النوعية من الفن والأمثلة كثيرة ونجومها يتزايدون يوما بعد يوم.
ودخل بيوتنا من أعقاب الأبواب كل هذا التلوث وأصاب أذواق أبنائنا وتغيرت كل مقاييس الشخص القدوة الذي كنا نقتدى به وكان بالنسبة لنا المثل الأعلى. ففسد التلاميذ في المدارس والطلبة في الجامعة فما بالك بهؤلاء الذين لم يتلقوا أي نوع من التعليم.
ولما التعب في العلم فهم يرون بأعين رءوسهم من يظهر عليهم على الفضائيات ويعطى لنفسه ألقابا جامعية وقضائية ولا أحد يستوقفه ويفرض علينا نفسه ولقبه وهو ربما لم يكن حاصلا في حقيقة الأمر إلا دبلوم تجارة أو أقل من ذلك بكثير إنما يظهر علينا اسمه مسبوقا بلقب الدكتور أو المستشار أو معالى السفير إنها عوامل كثيرة اجتمعت وتطورت واستفحل أمرها وهدمت كل شىء حتى أصبحنا في عشوائية أخلاقية غير مسبوقة في أي قطر من أقطار العالم.
ثم نرى خريج الجامعة المجتهد يعمل في أعمال دنيا وأنا لا أعيب في نوعية العمل ولكنها نظرة المجتمع لا غير وكذلك احتلال خريجى الجامعة وظائف هؤلاء الذين لم يتلقوا أي تعليم فتكون النتيجة الحتمية هي إضافة طبقة من اللصوص أو الباعة الجائلين المحتلين أرصفة الشوارع وعشوائية تضاف إليها عشوائية أكبر.
وانخرط المجتمع كله في بوتقة واحدة من انحدار أخلاقى إلى انحدار أخلاقى أحط منه ومن انحطاط إلى انحطاط أشد منه قسوة.
فكيف نريد أن نبنى وطنا بلا وجود لوحدة بناء الموطن وهى المواطن وخصوصا وأننا ليس لدينا أدوت البناء من الأصل.
نحن في عالم الجن والملائكة فبضغطة واحدة على زر الكمبيوتر ومن خلال الإنترنت تستطيع أن تتعايش إما مع الجن متمثلين في أفلام البرنو أو مع الملائكة المتمثلة في كل المواقع الثقافية المحترمة والتي تفيد العقل.
فمن يجعل أبناءنا تختار ما بين الأبيض والأسود؟ لا أحد غير نفوسهم وعقولهم وما فرضه المجتمع عليهم من ثقافات فاسدة أفسدت عليهم حياتهم في كل مجالات الحياة.
ومن أراد منهم الدخول إلى عالم الملائكة تتلقفه مشايخ الفتن الذين يرتدون زى الملائكة وهم أقرب إلى الشياطين بفضائياتهم وفتواهم التي فسدت الدين وحولته إلى قوانين مبهمة وابتعدنا عن معاملات الدين الصحيحة وأدبياته الراقية وحصرنا الدين في الحجاب والنقاب والذقن والسواك ففسد الدين وبالتالى فسدت الحياة وكانت النتيجة الطبيعية أن استغل المفسدون الوضع وأبدعوا في الفساد بكل ما حبانا الله من معطيات الحياة وأدواتها واخترعاتها بدلا من تطوعها لصالح المواطن والمجتمع طوعت لإفسادة.
ومازال لدينا وقت للبداية إذا أردنا بناء الوطن لابد أن نبدأ كلنا في وقت واحد الفن والإعلام والتعليم الإلزامى والجامعى ومؤسسات الدولة والمجتمع المدنى الكل في اتجاه واحد هي تعديل سلوك الموطن حتى نقضى تماما على الشلل الذي أصاب الشباب المصرى فلك الله يا مصر حماك الله ورعاك.