رئيس التحرير
عصام كامل

تدريب صحفي شاب داخل سجون الوطن


فارق كبير بين أن يبدأ صحفي شاب حياته بين زملاء وأساتذة مهنة، وصحفى يبدأ حياته بين جدران السجن وسط المتهمين جنائيًا فور تخرجه. الأمر ينطبق تمامًا على كثيرين من الزملاء الذين جرت ممارسات عنف بحقهم أو القبض عليهم أثناء تأدية عملهم، وسجنهم بعد إجراءات تحقيق مضللة، كانت محاضر الضبط والتحري سيد الموقف خلالها، وبين هؤلاء محمد سمير أحمد صديق أبوزيد، 21 سنة، خريج أكاديمية أخبار اليوم دفعة 2013، والقابع منذ الثامن والعشرين من فبراير الماضى داخل سجن الاستئناف، عقب تغطيته أحداث عنف مسلح بين قوات الأمن وجماعة الإخوان بمنطقة شرق القاهرة، وتستأذن والدته سجانه اليوم لرؤيته.


الفارق الزمنى بين تسلم محمد سمير شهادة التخرج وتفرغه لمهنته لم يزد على 6 أشهر، سبقها تدريب غير منتظم بمؤسسات يفترض فيها القارئ تأثيرًا على الرأى العام وتوجيهه وصناعته أيضًا، والقضية الأساسية في ملفات اتهامه أنه غير معترف به كباحث عن معلومة غير معلومة لتقديمها لرئيسه في العمل وللقارئ من بعده، فلا حماية له توفرها قوانين مهنة أو نقابة أو مؤسسة صحفية تخشى حمل أي مستندات دالة على ارتباطه معها بعلاقة عمل.

ربما أرادت قوانين القائمين على مهنة الصحافة في مصر محمد سمير شهيدًا أو قتيلًا كى يسأل نقيب عن مصيره أو يتدخل زملاء ذوو علاقات مؤثرة للإفراج عنه، وقتها يصنعون منه أيقونة جديدة لأكذوبة ثورة الجماعة الصحفية، ويسيرون في جنازته أو يتاجرون بسيرته قبل انتخابات مرتقبة، وجميعها خطوات يصعب عليهم اتخاذها في ظل وجود نظام حكم على "مقاسهم"، يكتفون معه بزكاتهم على شباب الصحفيين الشهداء في صورة عضوية شرفية في جَنة عبد الخالق ثروت، ومقال هنا وخبر هناك، ثم تموت القضية ويُدفن معها الأحياء.

ولنا أن نستنكر على صحف وإصدارات تدرب بها محمد سمير، بينها الشروق وبوابة الأهرام، أن تتجاهل علاقته بها يومًا ما، أو قل هي في عرف الناكرين له من مؤسسات أخرى عمل بها، مجرد علاقة غير مشروعة حتى توثق رسميًا وتعتمد نقابيًا، لكن كم من الزملاء يتساءلون عن يوميات صحفى متدرب بين جنائيين داخل سجن الاستئناف، أو يتخيل زميلًا لا يجمعه بالعالم سوى رؤية استثنائية لأسرته الصغيرة وترحيلات متكررة لجلسات تجديد حبسه احتياطيًا دون داعٍ..؟

هل يحتاج الصحفى الشاب إلى رباط "التبني" بينه وبين مؤسسته ومديريه حتى يتوافر له الدعم والحماية حال مقابلته أية أزمات؟ وهل هناك منهجية واضحة ومحددة لدى المؤسسات الصحفية والنقابة لمواجهة عوار تشريعات تستهدف به أنظمة تقليص أو خفض خطورة أنشطة إرهابية أو محظورة، كقانون تنظيم التظاهر وغيره، بينما تفتقر موادها ونصوصها لأي إشارات لأعمال ذات صلة بالحدث ذاته، وبينها التغطية الصحفية والإعلامية وضرورة حماية القائمين بها، لدرجة أصبح معها زملاء غير متمتعين بالحماية مضطرين وقت الأزمات إلى نفى صفتهم المهنية وتجاهلها حتى لا يصيبهم مزيدُ من الأذى..؟!

سيخرج محمد سمير من سجون وطنه ولو بعد حين، وتجربته داخلها ستحدد وحدها وجهته المقبلة دون تعديل أو تدخل آخرين، وسيصبح أكبر ممن تضاءلوا حوله وتنكروا له في محنته، وستعلو حكمته وخبرته فوق وجاهة شماشرجية الأنظمة، ربما لأن عِشرة أرباب السوابق والمتهمين جنائيًا وفِطرتهم أنقى وأطهر من مدعين ومتلونين يتصدرون المشهد الإعلامي والسياسي الآن، ويسهمون في صناعة مستقبل وطن يريدونه على حساب الشباب.
الجريدة الرسمية