رئيس التحرير
عصام كامل

السفير السوفييتي "فلاديمير فينوجرادوف": 6 أكتوبر تظاهرة عسكرية.. صدمة النصر المصرى افقدتنا صوابنا.. وسوريا اتفقت على لعب دور «المهزوم» و«السادات» لم يكن يريدها حربا

الرئيس الراحل محمد
الرئيس الراحل محمد انور السادات

خطة الخداع التي انتهجها السادات في حرب أكتوبر 73، لم تكن من السهل أن يكشفها أحد، حتى أعتي أجهزة المخابرات العالمية سواء الـ"CIA" في أمريكا أو الـ" KJb" في روسيا، وها هو السفير السوفييتي السابق فلاديمير فينوجرادوف-عمل في فترة 1970-1974 في القاهرة- يؤكد صدمة الخداع في مذكرته الموجهة إلى القيادة السوفيتية والتي لم تنشر عن خفايا حرب أكتوبر عام 1973 والتي وصفتها وسائل الإعلام الغربية بـ"الحرب المزيفة".


أعد السفير مذكرة في عام 1975، فور عودته لموسكو بعد ترك منصبه كسفير في مصر، وبقيت هذه الوثيقة في الأرشيف الشخصي لفينوجرادوف وتم الكشف عنها بعد وفاته.

الغريب أن فلاديمير في مذكراته بدا غير مصدق أن مصر تمكنت من خوض مرحلة الخداع الإستراتيجي قبل حرب أكتوبر 1973 دون أن تخبر الولايات المتحدة الأمريكية أو حتى الحليف السابق الاتحاد السوفييتي، وبدأ فلاديمير مذكراته بمجموعة أسئلة عبر فيها عن صدمته من خوض مصر الحرب بتكتيك الخداع، وكانت إجاباته أيضًا صادمة، مؤكدًا أن الولايات المتحدة كانت تعرف بالعمليات الحربية المتوقعة ووافقت عليها، وسعت إلى "غض النظر" عن الأنباء الواردة من الأردن، وفي أغلب الظن من مصادر أخرى.

ويتمادي فلاديمير في رؤيته الصادمة والمصدومة مما حدث في حرب أكتوبر، قائلًا:" طبعًا رصدت دوائر الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية عملية إجلاء أفراد الأسر السوفيتية بصورة جماعية – وكان لا بد لها من ذلك، ويبدو أن الولايات المتحدة عملت بالاتفاق مع القيادة العليا في إسرائيل أملًا في أن تلحق الهزيمة بالقوات المسلحة العربية حتمًا، الأمر الذي سيمنح إسرائيل فترة استراحة أخرى لمدة 10 – 15 عامًا، وكانت إسرائيل على استعداد لهذا الغرض بالتضحية بجزء من قواتها في سيناء، وبهذا تركز انتباهها على الهزيمة، وعدم وجود التواطؤ والذي شكل خطرًا فعليًا".

وذكر فلاديمير أنه كان من الصعب ألا يلاحظ العملاء السوريون والأمريكيون والإسرائيليون تحركات قوات كبيرة، كما أن التقارير ذات الطابع المحدد أكثر الآتية من العملاء حول عمل الجهاز العسكري وجهاز الدولة في مصر، فهذه التقارير قد أهملت، وتقرر روسيا مع الأمريكيين أن يجري "التراجع" في الفترة الأولى، أي إعطاء السادات الفرصة لبدء الحرب، وبعد ذلك توجيه ضربة تلحق الهزيمة به.

ويتمادي فلاديمير في تصديقه لخدعة حرب أكتوبر، ويقول في مذكراته إن نية الحرب لدى السادات لتحرير الأراضي المحتلة من الإسرائيليين باستخدام العمليات العسكرية لم تكن متوفرة، بل فقط "ممارسة لعبة" بموافقة الولايات المتحدة، ولم تكن لديه أي مسوغات لجر الاتحاد السوفييتي إليها، إذ كان يعرف موقف الاتحاد السوفييتي الجاد من قضايا الحرب والسلم، وتنبأ مسبقًا بأن الاتحاد السوفييتي سيسعى إلى إيقاف الحرب، أي منعه من ممارسة اللعبة، علمًا بأن الذخيرة كانت غير كافية لديه لممارسة لعبة الحرب".

وحاول فلاديمير التدليل على صحة وجهة نظره، فقال:" يبدو أن السوريين كانوا يعرفون نوايا السادات في ممارسة لعبة الحرب مع الولايات المتحدة، ولم يكن من العسير التنبؤ مسبقًا أن سوريا ستقوم بدور " المهزوم"، لأنهم كانوا يدركون أن القوات الإسرائيلية الرئيسية ستوجه ليس ضد مصر بل ضد سوريا، ولا يعتزم السادات خوض أي حرب على جبهتين."

ويذكر فلاديمير أن القوات المصرية لم تواصل الهجوم في عمق سيناء، لأن هذا لم يكن يتفق مع خطة السادات - بدء الحرب فقط ثم ينتظر تدخل الولايات المتحدة- وأن هجوم المصريين كان يمكن أن يؤدي إلى هزيمة إسرائيل، وهو ما لم يدخل أبدًا في خطط الولايات المتحدة.

الغريب أن فلاديمير في أثناء صدمته قال: " لم توجد لدى مصر خطة الزحف لعمق سيناء، وفي أقصى الأحوال كان السادات مستعدًا للاكتفاء بالحفاظ على أي رأس جسر خلال فترة من الزمن، لأن المسألة كانت فقط تظاهرة عسكرية".

ويستطرد فلاديمير قائلًا:" كان بوسع الولايات المتحدة، منذ الأيام الأولى-وقبل أن يبدأ الاتحاد السوفييتي في تقديم المساعدة للعرب- مساعدة إسرائيل، لكن في هذه الحال كانت ستنهار فكرتهم الأساسية في الحفاظ على المصالح الأمريكية نفسها، وخلق انطباع بأن الولايات المتحدة أنقذت إسرائيل، ووجب على الإسرائيليين إراقة شىء من الدماء من أجل ضمان المصالح الأمريكية، لهذا السبب قدم الأمريكيون طلائع القوات الإسرائيلية في سيناء، بموافقة القيادة العليا الإسرائيلية، قربانًا لأهداف " السياسة العليا"، فقد تصور فلاديمير أن إسرائيل كانت تعرف، وقدمت جنودها قربانًا لسياساتهم!

حاول فلاديمير إثبات وجهة نظره، فقال إن دخول الأردن الحرب كان سيقود إما إلى هزيمة إسرائيل وإما إلى كشف اللعبة المصرية كليًا أمام الجميع، فصدر الأمر للملك بالبقاء في مكانه"، مشيرًا إلى أن أهداف الولايات المتحدة كانت تتضمن إضعاف الجيش المصري أيضًا، واختراق أول الدبابات الإسرائيلية كان في أغلب الظن نتيجة توزيع القوات المصرية المعدة مسبقا بمهارة.

الغريب أن فلاديمير فسر الثغرة بشكل عجيب فقال:" لم يرغب السادات في سد الثغرة لأنه تلقى - في أغلب الظن- تحذيرًا من الأمريكيين بأن الحدث الذي يتحكم به الأمريكيون ضروري من أجل تبرير التدخل الأمريكي في لعبة الشرق الأوسط، ولم يرغب السادات في وقف إطلاق النار منذ الأيام الأولى، لأن اللعبة لم تكن قد أنجزت بعد"، ويعترف فلاديمير بتفوق الجندي المصري، قائلا: "وجب طبقًا لقواعد اللعبة أن يوجه السادات الضربات إلى الإسرائيليين، لكن "خانته" الجودة العالية للسلاح السوفييتي والروح الوطنية لدى الجنود والضباط، ولم يطلب منا العمل على وقف إطلاق النار إلا عندما رأى أن الأمريكيين قد خدعوه.

الصدمة أفقدت فلاديمير التحليل الصحيح للمعركة، فقال:" لم يتفق السادات مع الاتحاد السوفييتي بشأن وقف إطلاق النار لأنه لم ترد إشارة من الأمريكيين بأن يتدخلوا بجانب مصر، وأحبط الاتحاد السوفييتي بأفعاله لعبة السادات مع الولايات المتحدة".

واستشهد فلاديمير بصحة وجهة نظره، فقال: "ليس من قبيل الصدفة أن أشار السادات- لدى استفسار السفير السوفييتي حول السبب الذي جعل مصر تعجل في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وأنه اقترح منذ فترة العمليات الحربية – إلى حضور مبعوث سياسي أمريكي في القاهرة"، مضيفًا أنه لم يكن من مصلحة السادات أن يدفع الأمريكيين نحو الاتحاد السوفييتي، لأن هدفه كان التعاون مع الأمريكيين دون الاتحاد السوفيتي، وغياب الاتحاد السوفييتي كان الشرط الرئيسي للتدخل الأمريكي، فكانت زيارة وزير الخارجية فهمي لواشنطن أول خطوة تدل على انعطاف السادات نحو الولايات المتحدة، فلم يكن لديه أي مغزى لإبلاغ الاتحاد السوفييتي بهذا التحول.

ودلل فلاديمير على صدمته بوجود ما أسماه بـ"اللعبة"، فقال: "في عام 1973 رفض السادات استقبال رئيس الدولة السوفييتية بذريعة "مضحكة" وأن يظهرها للروس، فطلب أن يأتي إلى القاهرة رئيس لجنة أمن الدولة السوفييتي، ليظهر أنه يقدم تقريره إليه".

وأشار فلاديمير إلى أن الاتحاد السوفييتي غامر بالدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة، ولكن السادات لم يضع هذا في حسابه أبدًا، والضربة الأخرى هي أن السلاح السوفييتي الذي كان لدى الجنود والضباط المصريين- كان عالي الكفاءة- وكان أفضل من السلاح الأمريكي الموجود لدى الإسرائيليين، والضربة الأخرى أن تدريب القوات الذي جرى وقتها تحت إشراف المستشارين والخبراء السوفييت بموجب طرق التدريب القتالي السوفييتية كانت تتفوق في حالات كثيرة على كفاءة تدريب الإسرائيليين، بالإضافة للروح المعنوية العالية للجنود والضباط المصريين، وكان هذا كله شيئا غير متوقع.

وفي النهاية اعترف فلاديمير بنصر مصر في أكتوبر 73، فقال: "لقد عبرت القوات المصرية القناة في الوقت المحدد وفي فترة أقصر مما كان مخططًا له، أما الخسائر فكانت بنسبة 10% من الأفراد، بينما كان من المتوقع أن تبلغ الخسائر ثلث الجنود العابرين، وانتصر العرب على الإسرائيليين، وكان هذا نبأ رائعًا لدى السادات، كما كان في الوقت نفسه نبأ سيئًا: فقد انهارت خطط اللعبة".
الجريدة الرسمية