"أوسكار" بنكهة أوبامية
خلطت الولايات المتحدة معايير الفن والسياسة، وانتصرت لنفسها فى الدورة الخامسة والثمانين من جوائز "الأوسكار"، ضمن سعيها الحثيث لاستعادة الهيمنة والريادة فى الفن السابع، وقد زخر الحفل بدلالات ومعايير تلتقطها العين الراصدة بشكل يسير، ولعل أبرزها تعمد إشراك السيدة الأولى ميشيل أوباما، حيث أطلت فى بث مباشر من "البيت الأبيض" فى واشنطن على نجوم وضيوف "دولبى ثياتر"، فى هوليوود لإعلان أهم وأكبر جوائز "الأوسكار"، ولم يكن مفاجئا فوز فيلم "آرغو" المناهض لإيران وثورة الخومينى، إذ يتناول قصة تحرير رهائن أمريكيين فى إيران إبان الثورة على حكم الشاه عام 1979، بعملية استخباراتية تمت تحت غطاء تصوير فيلم هوليوودى وهمى.
يستلهم تتويج "آرغو"، على عرش "هوليوود" الانتصار الأمريكى على بلاد الفرس، إيذانا بمرحلة جديدة من العمل على كبح جماح وترويض "إيران" الغريمة المارقة فى الشرق الأوسط، وكما قالت ميشيل فى كلمتها: "تعلمنا من الفيلم أنه بإمكاننا التغلب على العقبات إذا كافحنا بشكل كاف وتحلينا بالشجاعة والإيمان بقدراتنا، كما أنه يرفع الروح ويوسع أفق التفكير".
كما تعد إطلالة ميشيل أوباما كأول سيدة أولى تشارك فى إعلان "الأوسكار"، بمثابة رد الجميل والفضل لمنتج فيلم "آرغو"، النجم جورج كلونى باعتباره من أهم وأكبر الداعمين ماديا ومعنويا للرئيس أوباما فى حملته الانتخابية، كما تؤكد على أن هوليوود ستظل معقل الحزب الديمقراطى الذى ينتمى إليه أوباما.
انحياز أمريكا لنفسها بمكافأة فيلم ليس الأفضل فنيا أو تقنيا، لم يبدد ذهول بن أفليك بطل ومخرج "آرغو"، فهو لم يتوقع الجائزة الكبرى وصرخ عند الفوز: "شعرت بذهول وهلوسة عندما أعلنت السيدة الأولى منحى الجائزة"، أما سبب "هلوسة" أفليك أنها من المرات النادرة جدا التى يتوج فيلما بالجائزة الكبرى من دون جائزة أفضل إخراج، والأغرب أن أفليك لم يرشح لجائزة الإخراج من الأساس، لذا لم يتوقع حصد "أوسكار" أفضل فيلم.
وبدا جليا أن الخاسر الأكبر فى المعادلة الأوبامية، هو المخرج ستيفن سبيلبرغ مبدع فيلم "لينكولن"، وصاحب 12 ترشيحا لجوائز الأوسكار هذا العام، لكنه أبعد عن منصة التتويج فى غمرة احتفاء هوليوود بداعمى أوباما، وتسديد فواتير حلفاء الرئاسة، ونسى الجميع أنه لو لا جهود الرئيس إبراهام لينكولن لإنهاء الحرب الأهلية، وكفاحه لإلغاء الرق والعبودية فى الولايات المتحدة، لما وصل أوباما إلى سدة الحكم وما شاركت زوجته ميشيل فى إعلان جوائز الأوسكار.
وتبقى دلالة أخيرة فى إطلالة ميشيل أوباما، تتمثل فى استعادة أمريكا زمام تشكيل الوعى والتأثير العالمى بما تنتجه "الميديا" والسينما فى "هوليوود"، بعد أن أفل نجمها تماما خلال ولاية أوباما الأولى، حيث سيطرت أوربا على الجوائز الكبرى وتركت لأمريكا الجوائز التقنية الأدنى، ففى العام الماضى التهم الفيلم الفرنسى الصامت "الفنان" معظم الجوائز، وسبقه بعام الفيلم البريطانى "خطاب الملك"، وقبلهما الفيلم البريطانى الهندى "المليونير المتشرد"، وجميعها أفلام مستقلة بسيطة تحاكى الوجع الإنسانى، غير أنها نجحت فى فرملة الاستحواذ والاستعلاء الأمريكى، وكادت تقضى على أسطورة "الأيقونة" السينمائية. لولا الاستثناء المتمثل فى فيلم "خزانة الألم" للمخرجة كاثرين بيغلو حول قصة حقيقية لجنود أمريكيين فى الحرب على العراق، الذى نال الجائزة الكبرى عام 2010، ويأتى فوز "آرغو" هذا العام مبشرا بجولة جديدة من الهيمنة السينمائية والإعلامية الأمريكية وما يرافقها من تعقيدات ومشكلات التكنولوجيا والخيال.