مد أجل الحكم "الصادر" في قضية القرن
وكانت المفاجأة من القاضي محمود كامل الرشيدي، مد أجل النطق بالحكم لجلسة التاسع والعشرين من نوفمبر المقبل، لصياغة الحيثيات وإيداع الأسباب، بعد كلمة حول التزام المحكمة بالتشريع وأدبيات القضاء ووجود 160 ألف ورقة بملف القضية، وهى كلمة نقلت ما يحمله ضمير القاضى إلى "الرأى العام" دون مواربة، ومعها ما في جوف وكواليس غرف المداولة القضائية وما بها من معاناة إلى ملعب الرأى العام للأسف، ليترك لكل شخص أن يرى ما يراه ويفسر ما يفسره بشأن إدارته الجلسة وعرض ما ورد بها.
لم يكن القاضى بحاجة إلى جعل المحكمة في منطقة استهداف تلى ما بعد رفع الجلسة، وما يمكن أن تضمه من اتهامات غير مرغوبة وما يترتب على تطاولات أخرى من وصف ساحات القضاء بالتحول إلى ستوديوهات لبث برامج يكتب سكربت حلقاتها بأيدي غير الناطقين بأحكامها.
قرار التأجيل أو إدارة الجلسة لا مجال لنا لتأويله أو التعرض له عن قريب أو بعيد، ونلتزم بكل الاحترام والإجلال والإعزاز لهيئات القضاء، ونقدر دور كل من يعتلى منصة القضاء في حمل الأمانة وتحمل المسئولية، لكننا نخشى ألا تمر الأيام المقبلة دون استهداف القضاء المصرى حتى صدور الحكم في هذه القضية، من قبل غير القانونيين.
أما مشهد المتهمين فرصدته مختلفًا، فقد دخل مبارك القفص وكأنه مديرًا فنيًا يتأمل ملعبًا للكرة في كأس العالم، يتوسط مساعديه "نجليه" اللذين طالما كانت الساحرة المستديرة وسيلتهما في إلهاء الغلابة عن حقوقهم، بينما العادلى يجلس في انتظار براءة وكأنه متأكد منها بفعل تأثير مرافعته التي أبدى خلالها تعجبه وذهوله من حجم "العنف" الذي واجهته أجهزة الأمن ورؤساؤها من مساعديه، متناسيًا ومتجاهلًا جرائمه بحق ضحايا التعذيب والاعتقال.
3 هيئات قضائية تناوبت ملف قتل ثوار يناير، جلس أعضاء آخرها قبل قليل لإصدار حكمها ووضع حد للجدل الدائر بين مؤيدي ومعارضى الرئيس الأسبق، حسنى مبارك، حول مسئوليته ورجال نظامه الأمني عن قمعهم، منذ ظهور داخل قفص الاتهام للمرة الأولى في الثالث من أغسطس عام 2011، ونحو 506 محامين ذهبوا للادعاء بالحق المدنى في القضية، أغلبهم لا علاقة بها ولم يطلعوا على أوراق قضيتها، مثلهم مثل مقدمي برامج رياضية أنهوا حياتهم الكروية ليعكروا متعة الجماهير بالحديث المضحك في السياسة، شأنهم شأن المتعاركين خارج مبنى المحكمة على نصرة أو كراهية مبارك وعائلته.
المشهد اليوم سبقه حكم شعبى "صادر" فعليًا في قضية مبارك ونظامه، فقط ينتظر توثيقه من جهة قضائية، حسب اعتبارات ثوار يناير وأهاليهم، وبحسابات الاقتصاد والسياسة وعلم الاجتماع، فقد تقلد مبارك حكم مصر باستفتاء شعبى رشحه البرلمان له بعد اغتيال السادات عام 1981، لكنه تبنى الحزب الوطنى فشهد عصره الوصول بالدين الداخلي خلال 30 سنة إلى 300 مليار جنيه والخارجي إلى 27 مليار دولار، وكانت سياسات الخصخصة سببًا في خلق طبقة النصف بالمائة المالكة والحاكمة، التي ضمت مصر لقائمة الدول الأكثر فسادا، وتزوير الانتخابات والتوسع في استخدام قانون الطوارئ واعتقال عشرات الآلاف إداريًا، زد على ذلك التبعية الخارجية والمهادنة مع عدو على الحدود، وإلا فلماذا قامت ثورة يناير نواة ثورة 30 يونيو التي أطاحت بإخوان صنيعة مبارك وعصره، فهل من نقض على هذا الحكم الصادر فعليًا..؟!