كيف تضرب مشروعية حكم السيسي في مقتل؟
قبل أيام وصلتنى رسالتان من مواطنين لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم مسئول عما يعانياه من أزمات، بعد فصل الأول من عمله ورفض عودة الثانى لعمله، بطريقة متشابهة جائرة لا تحتمل تفسيرًا إلا أنها تطبق في دولة لا تحترم حكومتها القانون، ولا يعى وزير فيها معنى وعمق وقيمة الحكم القضائى.
الرسالة الأولى لأحد الفنيين بشركة غاز القاهرة الخاضعة لأحكام ولوائح قطاع البترول بمدينة نصر، وهو الأستاذ محمد إبراهيم السيد عبدالكريم، والذي يلازم منزله منذ السابع من سبتمبر الجارى عقب صدور قرار من إدارة شركته بمنعه من دخول مقر عمله، أو السماح له بالتوقيع في دفاتر الحضور اليومية، بزعم أنه مفصول من العمل، وذلك عقب تحقيق إدارى معه، رفضت الشركة بعده منحه صورة أو رقم قرار الفصل أو إخطاره رسميًا به، ليحرر بقسم شرطة مدينة نصر أول محضرًا لإثبات الحالة برقم 19342 إدارى.
ويروى محمد إبراهيم وقائع ما وراء قرار الفصل قائلًا "عند قيام رئيس مجلس الإدارة السابق بتشكيل لجنة من 6 أفراد كنت أنا أحدهم، للوقوف على أرقام العجز الموجودة بالخامات الخاصة بالشركة من أول نشاطها الشركة حتى آخر تاريخ، ولم تقدم اللجنة أي تقرير عما رصدته من مخالفات شهدت أنا عليها وقررت أن أبلغ مديرى الشركة بها، ففوجئت بفبركة اتهام لى بأننى قمت باستلام 20 عداد غاز من المخازن ولم أقم بإرجاعها الموقع إلا بعد 48 ساعة من تاريخ الاستلام، علما بأننى لم أقم باستلامها ورقيًا، وكان التحقيق هزليًا معى والقرار خفيًا حتى أننى شكوت الشركة لدى مكتب العمل الذي سخر مديره من صدور قرار فصلى دون الرجوع إلى المحكمة العمالية".
وتابع محمد إبراهيم، صاحب خدمة ربع القرن داخل جهة عمله: "عاملونى بطريقة اخبط دماغك في الحيط، وجعلوا من إرادة الظلم كلمة تعلو فوق كلمة القانون، وأحالونى إلى واقع مؤلم حينما لازمت بيتى بين أولادى وبناتى الذين أنفق عليهم وعلى مراحل تعليمهم المختلفة، من راتب توقف بقرار ظالم وجائر صدر عمن يخافون إعلانه وإبداء أسباب واضحة بشأنه، ربما كلمة المسئول على كرسيه أعلى من كلمة القانون في وطن لا يُسمع فيه للمظلوم صرخة".
الرسالة الثانية جاءت من الأستاذ حسين رمضان حسين، 46 سنة، أمين مكتبة بمدارس جمال عبد الناصر القومية بمصر الجديدة، انتدب لوظيفة مدير مكتب رئيس مجلس إدارة المعاهد القومية، وصدر ضده حكم قضائى بالسجن 3 سنوات عام 2002 في القضية رقم 19845 لسنة 1999 جنايات بعد اتهامه باختلاس 3 آلاف جنيه، وبعد تداول القضية بين 3 دوائر قضت آخر محكمة ببراءته في 8 يونيو 2008 وقبل أيام من انتهاء مدة العقوبة المقررة بحقه.
يقول حسين رمضان "قدمت عدة طلبات لكافة وزراء التعليم المتعاقبين لأجل العودة لعملى، لكنهم كانوا يرفضون أو يتجاهلون حقى، فأقمت دعوى لدى دائرة عمالية بالقضاء الإداري، وصدر حكم أول درجة بعودتى للعمل وصرف مستحقاتى عن الفترة من 2002 إلى 2008، ثم صدر حكم الدرجة الثانية في 20 فبراير 2013 في الدعوى رقم 1529 لسنة 13 ق بعودتى وصرف مستحقاتى وتعويضى ماديًا بمبلغ 30 ألفًا".
وتابع حسين رمضان: "المعاهد القومية والإدارة التعليمية والوزارة رفضوا تنفيذ أحكام القضاء بحجة تحول مدرستى من قومية إلى تجريبية، رغم خضوع الاثنتين للوزارة نفسها، فأرسلت شكواى لرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، وأخطرتنى رئاسة الجمهورية بأنها راسلت وزارة التربية والتعليم بأمرى لتقوم بتنفيذ أحكام القضاء الصادرة لصالحى، إلا أن الوزارة تزعم أن خطاب الرئاسة المسجل بعلم الوصول، لم يصلها..!!".
أعتقد أن الأستاذ حسين رمضان سيتعجب من الطريقة السهلة التي تخلص بها مسئولو شركة الغاز من الأستاذ محمد إبراهيم، فيعتقد أن حدوتة خروجه من وظيفته كانت معقدة للغاية وأن رد اعتباره وبراءته بحكم قضائى مجرد حالة غير مقنعة لمجتمع أعمى يسعى لرؤية الأسوأ ولا يحترم حكم القضاء ولا البريء الحاصل عليه.
وأعتقد أن عدم احترام وزارة التربية والتعليم لأحكام القضاء ستجعل الأستاذ محمد إبراهيم صاحب الرسالة الأولى أكثر يأسًا وأضعف همة في مواجهة ظلم جهة عمله له، وأكثر شعورًا بعدم أهمية وقيمة أي حكم قضائى يمكنه الحصول عليه ليستعيد به حقه لدى جهة عمله، وفى الحالتين هما يواجهان منظومة ظلم يصعب تفكيكها والقضاء عليها، وأغلب الظن أنها ترتبط بمنظومة فساد عنكبوتية تمتد خيوطها لتنال من حقوق المستضعفين.
هذه دولة الظلم التي أراد شعب ثورتين إسقاطها، لا يمكن القبول بوصف شعارات مناهضتها بأنها "فئوية"، ومن غير المعقول أن نعتبر أبناء الأستاذين محمد إبراهيم وحسين رمضان، من قوى الشر، إذا ما انضموا إلى ثورة جياع تلتهم كل محاولات تصحيح أوضاع البلاد، لمجرد أن خطيئة الظالمين الجائرين على دولة القانون، محمية بفعل سلطة النفوذ، أو صمت سلطة القانون عليها، وتلك مهمة رئيس الجمهورية إذا ما توافرت لديه إرادة سياسية للقضاء على منظومتى الظلم والفساد، ولا ننس أن سقوط الرئيس المعزول محمد مرسي وحكم جماعة الإخوان، كان نتيجة طبيعية لسعي التنظيم إلى تغييب دولة القانون وإهدار هيبة وأحكام القضاء.
جرائم فصل عمال مصر وموظفيها والجور على حقوقهم، وانتهاك أحكام القضاء وإهدارها، ستسقط حتمًا شرعية أي نظام، وستضرب صراحة مشروعية حكم الرئيس السيسي وحكومته في مقتل، وستعيد البلاد إلى نقاط سالبة قبل الصفر بكثير، ولن يفلح أي حديث إعلامي أو سياسي حول مشروع وطنى واحد في تجاوز نتائجها وتداعياتها.