من يمسك بالقيم والأخلاق؟
كلما استمعت إلى أحد الكارهين للفنون والآداب يتحدث عن القيم والأخلاق ابتسم وأتذكر أغنية عبد الحيلم حافظ التي يقول فيها "واتاريني ماسك الهوا بأيديا" ذلك أن هذا كلام حق يراد به باطل. فالواحد منا يولد صفحة بيضاء فأبواه هما أول مصادر القيم والأخلاق. ثم تأتي المدرسة. ثم يأتي العالم المحيط حوله. وكما يري الطفل والديه يتأثر ويمكن جدا بعد أن يبلغ الرشد يدرك أنهما على خطأ إذا كانا على خطأ ونادرا ما يحدث هذا.
المدرسة هي المكان الثاني والمدرسة في بلادنا لم تعد مدرسة بل صارت مكانا للتزويغ واللحاق بالدروس الخصوصية للحصول على درجات كبري، ولم تعد مثلما كانت في زماننا مكانا ثقافيا ورياضيا واجتماعيا يفتح الطريق لمواهب الطالب وينميها. وبعد ذلك يأتي المجتمع، ولا يقول لي أحد أن المجتمع المصري سليم.
للأسف ضربته أمراض الأنانية والتسرع والحصول على الثروة بأي طريقة والنفاق والقهر الذي يولد العنف. لم يحدث في تاريخ مصر كله أن شهدت البلاد حملات دينية في المساجد والشوارع ووسائل المواصلات مثلما شهدت مصر عبر الأربعين سنة السابقة. لكن للأسف أبسط الأشياء الإنسانية وهي احترام المرأة وعدم التحرش بالفتيات بلغ غايته من الفجاجة والفجور. أين ذهب كلام المشايخ في الفضائيات والمساجد وغيرها كما قلت.
كأنه لم يكن. لسبب بسيط فهم اعتبروا المرأة عورة ولا يجب أن تمشي في الطرق فاستباحها الرجال. هذا من ناحية. من ناحية أخرى تأخر سن الزواج والبطالة. القيم شيء معنوي وليس ماديا ومن ثم يمكن أن يتغير دون أن تتحكم أنت في تغييره لأن المجتمع هم المتحكم الأول. لم تكن هذه قيم الحياة المصرية عبر سنين طويلة، وكان التصرف العادي اليوم، مثل التحرش أو النصب أو غيره عملا فاحشا يقوم به قلة من الناس وليس كثير من الناس. ومن ثم كان قبيحا رغم أنه أيضا مجرّم.
لم يكن أمرا يدعو للفشخرة كما يحدث حين يسبق شخص شخصا في الطابور ويأخذ مكانه. كان للمسنين احترام وكان للمرأة احترام لكن هذا كله ضاع. ويأتي أحد المشايخ يحتج على فيلم من أجل الأخلاق. طيب حضرتك يعني مش شايف اللي حواليك؟ والفيلم لا يغصبك أحد على مشاهدته، تستطيع ألا تذهب إلى السينما أو تكتب تقول إنه سيئ أو تافه لكن لا تصر بأن الرذيلة ستزيد، ليس لأنها زائدة وهي بالفعل زائدة، لكن لأن الفيلم لا يجبرك عليه أحد.
الأمر نفسه فيما يخص البرامج التليفزيونية. نحن نسمع ليل نهار برامح تافهة مليئة بالأكاذيب على الناس ولم نطلب من أحد أن يغلقها. وعندما يكون هناك برنامج عن الرقص الشرقي يصرخ الشيخ طالبا إغلاق البرنامج ويتم الاستجابة له بحجة الأخلاق رغم أن الرقص الشرقي فن قديم وموجود في الأفراح والأفلام ويتعلمه الأجانب، ثم أنه في النهاية برنامج تليفزيوني يمكن أن تحول القناة إلى آخر أو أن تغلقها.
ثم إن الرقص الشرقي قديم في مصر ولم نسمع يوما أنه تسبب في الفجور. المخطئ هو من لديه استعداد للخطأ وهذا الاستعداد يأتي من بيت أسرته ومدرسته بالأساس. ثم الظروف المحيطة. ولا أظن أن الظروف المحيطة كلها رقص وإلا كنا أسعد حالا ! لكنها في الحقيقة كلها رقص في الكذب السياسي الذي هو أفدح الخطايا.
ibrahimabdelmeguid@hotmail.com