"محمود سالم" رائد الأدب البوليسى فى العالم العربى.. الشياطين الـ 13 والمغامرون الـ 5 أهم إبداعاته.. الشاويش "على" رمز الرجعية.. والمفتش "سامى" يعبر عن العلم والتقدم
عن عمر يناهز 84 عامًا توفى اليوم الكاتب محمود سالم رائد الأدب البوليسى وروايات المغامرات فى العالم العربى، والذى اشتهر بتأليف سلسلة المغامرات الشهيرة "الشياطين الثلاثة عشر" التى صدرت أواخر الستينيات من القرن الماضى.
وكان يكتبها فى الإطار الأمنى العربى عن 13 مغامر يواجهون منظمات تجسس دولية، وكيفية مجابهتهم من خلال خطط يقوم بها هؤلاء الشباب لمواجهة تلك الجرائم.
ثم كتب سالم سلسلة أخرى بعنوان "المغامرون الخمسة"، وكانت تدور حول خمسة صبية يسكنون حى المعادى الراقى فى القاهرة، ويساعدون الشرطة فى حل ألغاز الجرائم التى تقع هناك.
وتضمنت السلسلتان أكثر من 300 كتاب، وتحولت إحدى مغامرات الشياطين الثلاثة عشر إلى فيلم سينمائى عام 2007 بعنوان "الشياطين"، من إخراج أحمد أبو زيد، وتحولت سلسلة "المغامرون الخمسة" إلى مسلسل تلفزيونى للأطفال.
ولد محمود سالم عام 1929 ، وقد عمل صحفيًّا فى العديد من الصحف المصرية من قبل ثورة 1952، وكان يكتب مقالًا أسبوعيًّا فى صحيفة "التحرير" كل جمعة.
وكانت ألغاز "المغامرون الخمسة" الأكثر شهرة فى كتاباته، وهى عبارة عن سلسلة مغامرات بوليسية عربية، أما شخصيات المغامرات فقد وظفها بشكل جيد، وتجسد ذلك فى مغامرات "المغامرون الخمسة" ومنها "الأبطال الخمسة والكلب".
وقد اختار المؤلف محمود سالم أعمار شخصيات أبطاله فى منطقة تقع بين الطفولة المتأخرة والمراهقة، من حيث العلاقات التى تربط المغامرين، وأسس المؤلف وجودهم على علاقتى الأخوة والصداقة.
كما كان سالم يختار الأسماء بشكل يخدم العمل البنائى للرواية، فمن حيث الأسماء فقد وضع لهم علامات خاصة بهم.. فكل شخصية لها الاسم الذى يشير إليها فى السياق الاجتماعى العام.
أما خصوصية المكان فقد اختار سالم المكان الذى يجمع الشخصيات للتفكير وتبادل الآراء.. وهو حديقة منزل عاطف التى يرتبط بها القارئ معهم طوال السلسلة.
وشخصية الحيوان التى تقدم أكثر من قيمة فى هذه الألغاز، فتمنح القارئ نموذجًا لحب الحيوان، والأهم من ذلك فى العمل الدرامى أن الكلب له شخصية فاعلة لها أهميتها فى الصراع.
ومن أهم أبطال السلسلة الشاويش على والمفتش سامى.
فالشاويش على.. والمفتش سامى.. شخصيتان محوريتان فى ألغاز المغامرين الخمسة، فالشاويش على هو المعارض.. المناوئ.. المنافس.. الذى يتحقق من وجوده نوع من الصراع الدرامى الذى ينتصر فيه الأبطال الصغار، أو يعترف الشاويش بوجودهم من خلال تفوقهم عليه.. وشخصية الشاويش "على" من هذا المنظور تضفى على الجانب الدرامى تصاعدًا.
والشاويش "على" يمثل الوعى الشعبى السلبى الذى يسعى المؤلف إلى تطويره، والنموذج الإيجابى المقابل لهذا الوعى السلبى يتمثل فى شخصية المفتش "سامى".. فمفتش البحث الجنائى المتعلم المثقف المستنير الذى يأخذ بيد الجيل الجديد ويفسح له مكانًا فى منظومة المجتمع.. وهنا تشغل شخصية المفتش "سامى" موقع المساعد فى البنية الدرامية للمغامرات.. أو تشغل موقع المرسل.. فهو أحيانا يقدم إليهم القضية ويدعوهم إلى العمل معه والبحث عن حل لها.. وبذلك نجد لهاتين الشخصيتين (الشاويش على والمفتش سامى) أهمية درامية داخل النص، وأهمية فكرية فى المرجعية الثقافية التى يتحرك من خلالها المؤلف فى الألغاز.
وتدور الشخصيات فى المدار الاجتماعى للمغامرين، وتشمل هذه الشخصيات الأسر والأصدقاء، فالمغامرون يتحركون فى فضاء درامى مماثل للفضاء الذى يعيش فيه القارئ بكل علاقاته وأبعاده.. لذلك نجد الأباء والأمهات.. ويوظف المؤلف علاقات القرابة والجيرة والصداقة لتحديد طبيعة المغامرات وأماكنها.. وبذلك ينجح فى وضع عناصر التماسك الدرامى للمغامرات.
وهؤلاء الأقارب قد يعملون فى مناطق صحراوية أو ريفية.. أو خارج مصر.. ويقدمون الدعوة للمغامرين لقضاء العطلات لكى يجد المغامرون الخمسة الألغاز فى انتظارهم.. ويطوف القارئ مع المغامرين فى فضاءات مكانية مختلفة ويستمتع بطبيعة الحياة عبر الأماكن والوظائف.. فالمعادى ليست المكان الوحيد للمغامرات.
والشخصيات فى دائرة البحث، وهذه الشخصيات تدور حولها الشبهات كالأشرار.
وقد حرص محمود سالم على تعدد نوعية هؤلاء الأشرار، فهم من اللصوص والمحتالين والمزيفين والجواسيس، وهناك مساحة لاستيعاب الأشرار من فضاءات عالمية مختلفة، وبعض الأشرار كذلك يتكرر ظهورهم فى أكثر من مغامرة لكى تصبح دراما الألغاز عاكسة لدراما الحياة، ومترابطة معًا عن طريق الإحالة.
وقد جاء فى دراسة كاملة بكتاب "نسيج الروح" بكلية الألسن أن أجمل ما فى الألغاز أنها تعلمنا فن البحث عن الحقيقة، وتعلمنا أن خلف الواقع الذى نراه أسرارًا تكتمها النفوس.. وتختفى وراء ستار يكاد يكون محكمًا من الأكاذيب التى تنشر الضباب أمام العيون.. لكن الأرواح اليقظة لا تنقاد لخداع الحواس، إن فى أعماقنا بصيرة فيها طاقة يسرى منها شعاع قد يكون وحيدًا لكنه صافٍ كاشف يخترق الظلام بإصرار حتى يصل إلى قلب الحقائق، فنراها واضحة وكأننا عشنا هذه اللحظة التى يخفيها الشرير، ذاك البطل المضاد الذى ضللنا وخدعنا.. إن المغامر رحّال فى فضاء مسكون بالأسرار والأشرار، وقدر الإنسان الذى منحه الله الذكاء الروحى والذهنى أن يظل ساعيًا من أجل الاكتشاف.
تلك هى الحياة فى ألغاز محمود سالم.. فى الكوخ المحترق والبيت الخفى والحقيبة السوداء واللص الشبح والفارس المقنع وملك الشطرنج والكلب ذو الرأسين وجاسوس السويس وعين السمكة والقفاز الأحمر والرسائل الغامضة والفهود السبعة.. تلك هى المعادى التى احتضنت الأبطال الصغار الذين ما زلنا نحبهم ربما أكثر مما أحببنا "مسيو بوارو" فى عالم "إجاثا كريستى" المثير.