رئيس التحرير
عصام كامل

"التعريض" سلاح السلفيين للهروب من فخ التناقض.. "برهامى" عارض الإطاحة بـ"مرسي" ودعم خارطة الطريق.. شبه "السيسي" بالطاغية وعقب توليه الحكم أكد أنه الأكفأ.. و"أبوهريرة" مارسه على قوم لا يحب مجالستهم

 الدكتور ياسر برهامي
الدكتور ياسر برهامي

حرم الإسلام الكذب بشكل واضح في أكثر من موضع، واتفق الدعاة وكبار علماء الفقه والتشريع على تحريمه، استنادًا إلى القرآن والسنة، حيث حرموه بشكل مباشر، وقال الرسول محمدعليه الصلاة والسلام في حديث شريف، "إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا"، إلا أن عدد من الدعاة أكدوا على جواز الكذب في حالات معينة، وفي مواضع تحتم على المرء أن يكذب فيها أو يستخدم فيها ما يعرف بالتعريض والتقية من أجل النجاة من مأزق، قد يدفع ثمنًا له مادى أو جسدي، حيث أُدرج ما يسمى بـ"الكذب الحلال والتقية والتعريض"، ضمن سبل الكذب المباح في الإسلام.


التعريض والتقية

واتفق العلماء فيما بينهم، أن التعريض والتقية ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، وجعلها جائزة في أضيق الحدود، مثلا عند الخوف الشديد على النفس أو المال، وبعضهم خصها فيما يكون في مواجهة الأعداء.

التعريض في الإسلام

امتلكت كل طائفة منفسًا للكذب، وقد ذُكر التعريض في القرأن الكريم في قوله تعالى بعد النهي عن خطبة المتوفى عنها في العدة: "وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ".

كما اتفق علماء البيان على تعريف التعريض في الإسلام على، أنه التورية، والتورية تعنى في مفهومها الأولى أن يكون للكلمة معنيان معنىً قريب، ومعنىً بعيد، إذا قلت الكلمة خطر على بال السامع المعنى القريب، وأنت تقصد المعنى البعيد، ومثالًا على ذلك موقفًا لأبي هريرة، حيث يحكى أنه نزل مرة على جماعة وكان يكره طعامهم، فقالوا: اقعد يا أبا هريرة وكل معنا، فقال: إني صائم، فلما كان في عصر ذلك اليوم رأوه يأكل فقالوا: كيف يا أبا هريرة تأكل وقد قلت إنك صائم؟

قال: ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (صم من كل شهر ثلاثة أيام، فذلك صوم الدهر، أو كصوم الدهر ( رواه البخاري)، في إشارة منه أنه يصوم الثلاثة الأيام من كل شهر، فيعتبر صائمًا كل الدهر، فهو صائم باعتبار ذلك الفهم، ولذلك فلا يقال: إنه كذب، إنما يقال: إنه عرّض بالكلام، والكلام له وجهان: وجه قريب، ووجه بعيد.

التعريض عند السلفيين

أما في الوقت الحالى، مارس عدد من الدعاة والمشايخ السلفية، التعريض، حيث انتقد الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية في وقت سابق، تأييد الدعوة وحزبها النور استكمال الرئيس المخلوع محمد مرسي مدته التي نص عليها الدستور.

وأضاف برهامي،: "أن من يريد إسقاط مرسي، فليس له ذلك إلا عبر صناديق الاقتراع، وليس بطريق انتخابات مبكرة تقود إلى عواقب وخيمة لا يتحملها الشعب المصري"، إلا أنه سرعان ما مارس نوعًا من التعريض، حيث أكد على موافقة الدعوة السلفية وحزب النور لخارطة الطريق عقب الإطاحة بحكم الجماعة الإرهابية، وتولت القوات المسلحة بقيادة وزير الدفاع أنذاك عبدالفتاح السيسي أمور البلاد، فيما أُجريت بعد ذلك انتخابات رئاسية، ونصب السيسي رئيسًا للبلاد لتحقيق خارطة الطريق.

السيسي طاغية

وكذلك تشبيهه للرئيس عبدالفتاح السيسي، بالحجاج يوسف الطاغية الذي قتل أعداءه جميعهم، ومن ثم تراجع عن قوله، وأكد أن السيسي لم يصدر أمرًا بقتل معتصمي رابعة، وأصدر قرارا بالتعامل مع من يرفع سلاح فقط.

شروط التعريض

وأوضح العلماء أنه من شروط التعريض في الإسلام، عدم اقترانه بالقسم أو حلف اليمين، وألا يكون قد أخذ حق من خلاله، لأن ذلك قد يقع به في منطقة الكذب المحرم.

آراء العلماء

ورأى العلماء أنه يمكن التعريض لتحقيق مصلحة شرعيَّة راجحة على خداع المخاطب، ويمكن اللجوء له وقت الحاجة، حيث أضافوا: "لا بأس بالتعريض،‏ فإن لم تدع إليه مصلحة ولا حاجة، فهو مكروه وليس بحرام، فإن توصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق فيصير حينئذ حرامًا"، وذهب بعض العلماء إلى تحريم التعريض لغير حاجة أو مصلحة، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.

التقية عند الشيعة

أما "التقية" فهي تختلف في موضعها واستخدامها عن التعريض، إلا أنهما يشتركان في كونهما سبيلا لمفاداة شرًا، وتعد التقية واسعة الانتشار عند الشيعة، ويعتبرونها من أصول الدِّين، ومن لوازم الاعتقاد، بل لا دين ولا إيمان لمن لا تقيَّة له.

وتعنى التقية في مفهومها إتقاء الضرر، وهي إحدى أحكام الإسلام، وهي رخصة من الله تعالى لعباده تبيح لهم ارتكاب عمل محرّم في حال الاضطرار والوقوع تحت الإكراه وخوف الضرر الشديد.

كما يزعم جعفر الصادق أحد كبار أئمة الشيعة قائلًا:  "إنَّ تسعة أعشار الدِّين في التقيَّة، ولا دين لمن لا تقيَّة له".

التقية في القرآن الكريم

وذكرت التقية في القرآن الكريم في قوله تعالى: " لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ".

جواز استخدام التقية

ومن أمثلة جواز استخدام التقية، أنه رُوي أن مسيلمة الكذاب أخذ رجليْن فقال لأحدهما: ما تقول في محمد؟ قال: رسول الله. قال: فما تقول فيَّ؟ فقال: أنت أيضا، فخلاّه (أي أطلق سراحه). وقال للآخر: ما تقول في محمد؟ قال: رسول الله. قال: فما تقول فيَّ؟ فقال: أنا أصمّ! فأعاد عليه ثلاثا، فأعاد ذلك في جوابه، فقتله، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خبرهما فقال: أما الأوّل فقد أخذ برخصة الله تعالى، وأما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئا له".

آراء العلماء

يرى علماء السنة، أن التقية تستخدم بكثرة عند الشيعة، وخاصة الأثنى عشرية التي تغالى دومًا في استخدامها في التقية التي أجازها الله ورسوله، لظروفًا صعبة تستلزم على صاحبها أن يكون لقي تهديد على نفسه أو ماله أو عرضه، فيذهب لاستخدام التقية ليرفع أذى واقع عليه.

الجماعات الدينية

وفي هذا السياق أكد الداعية السلفي محمد الأباصيري، أن الجماعات الدينية تتوسع بشدة في استخدام التقية، حتى تغلب عليها ليكون الكذب هو الأصل في حياتهم لا الصدق، مضيفًا:" ويبررون ذلك بالتقية، وهى منهم براء وقد زادوا في استعمالها على استخدام الشيعة الذي يستحلون الكذب تحت مسمى التقية"، في إشارة أنالسلفيون كغيرهم من الجماعات الدينية يفرطون في استعمال التقية من غير خوف ولا ضرورة، مما يعد كذبًا أبلق، بل يرقى لمنزلة النفاق.

واستدل الأباصيري باستخدام "ياسر برهامي" نائب رئيس الدعوة السلفية للتقية في إجابته على سؤال "وائل الإبراشي" حول زيارته للفريق "شفيق"، حيث سأل عن الزيارة، فأجاب بأنه كان اتصالًا هاتفيًا، فأجاب عن سؤال آخر لم يسأل عنه مفاده هل كان بينكما اتصال تليفوني أو لا ؟ ".

وتابع: "الحقيقة أن هذه الخصال الذميمة التي تتنافي مع الدين، وقيمه تتنافي أيضًا مع أخلاق الرجال، بل مع الرجولة ذاتها، وهي تنم عن جبن في الطبع وسوء في الخلق".

الجريدة الرسمية