سوريا بعين المعرّي
قلت لأبي العلاء: لقد سألني بعضهم عن الوضع السوري، فلم أجد بداً من ترديد بيتك الشهير: “سألتموني فأعيتني إجابتكم . . من ادّعى أنه دارٍ فقد كذبا” . وأنا أرجو صاحب “لزوم ما يلزم” أن يجود قراء “لزوم ما يلزم” بغيث الفهم والإيضاح. أدع له الكلمة، قال:
كنت أظنك محيطاً بأسماء المدن السورية، فهي تنبئك بما غاب عنك من الأسرار. دمشق دمٌ شقّ مجرى انهيار البلد. دمٌ شقّ جريانه على نفس كلّ عربي. ففي “درعا” لن تجد لك ترساً ولا درعاً. تصحّر المرعى، وطبول الحرب تقرع قرعاً.
صار القتال قانوناً وشرعاً. وما أبقى أصلاً ولا فرعا. وفي اليرموك لا تقل لن يرموك. فالكل هناك مشبوه ومشكوك، وداكّ ومدكوك.
في حلب كل من دخلها حلب، حتى أكل عليها الدهر وشرب. وكل من حلّ بها جرّ الهموم وجلب. كأنما أصاب الناس داء الكلب. فلا أحد يخرج من مولد حمص بحمّص. وما لها من منقذ مخلّص. لا يوجد مُخلص. وكل مخّ لصّ. صارت سوريا بكل أطرافها وأطيافها دير الزور والبهتان. وأنا الآن أعترف بأنني أخطأت حين قلت: "في اللاذقية فتنة"، فالآن الفتنة عامة، وهذه هي الطامّة. حتى إنني أحسّ بالذنب وبالحسكة في حلقي، وكأن دير الزور واقف في “الزور".
يعزّ عليّ أن تدمر تُدمّر. وتخرّب ولا تعمّر. وهذه معرّة لا نُعمى فيها ولا نعمان. فالكل مثلي عميان. فالبلد على كفّ عفريت لا على كف "عفرين". وكم أتطير من الزبداني، فكأنها مثنّى الزبد الذي يذهب جفاء، رغم أنني لا أرى ما ينفع الناس يمكث في الأرض . لقد ضاقت بالسوريين الأرض، وكأنه لا طول لها ولا عرض . فيها ينتهك العِرض. ويُعطّل الفرض. وكم أتشاءم من تلكلخ، فهي في نظري: تلّك لخّ، أي جرى دمع التلّ غزيراً .
في هذا السيل العرم، بل الطوفان، يحتاج الشعب إلى قنطرة عملاقة ليعبر بسلام، و”القنيطرة” لا تكفي ولا تفي بالحاجة، في هذه اللجاجة والسماجة . الأوضاع ليست "سلميّة" في "سلمية". وهي شهباء في حلب الشهباء، وفي "شهبا" و"الباب" موصد أمام الحلول، ما دامت "قطنا" سريعة الاشتعال كما لو كانت عهنا وقطناً.
آه "السويداء" في سويداء القلب. و"أعزاز" تعيد إلى السمع ياس خضر وأغنية “أعزاز والله أعزاز”. ولكن أرض سوريا في اهتزاز، والعرب فقدوا بالعروبة الاعتزاز. والغرب بالتفتيت فاز. "عين العرب" لا ترى البوغاز والنظر “القصير” يحتاج إلى عكّاز. ما هذا البرود العربي في "يبرود"؟ ولماذا لا تُرعى المحارم في "حارم"؟ كل جسر مقطوع كأنه "جسر الشغور"، فالتضامن مكان شاغر، والهول فم فاغر. ومن ظنّ أن الجوّ لان في الجولان، فهو مجرد فلان أو علان.
لزوم ما يلزم: نطق أبوالعلاء فما بعد هذا جلاء في البلاء.
نقلاً عن الخليج الإماراتية