رئيس التحرير
عصام كامل

سيد القمنى.. دجال أم مفكر؟ 4


مارس سيد القمنى، حقه الكامل فى السؤال وفى البحث وفى الإجابة فى كتبه ومقالاته التى يحوم بعضها حول المناطق الحساسة فى التاريخ والعقيدة، وبعضها الآخر يقتحم، بلا حذر وأحيانا بتهور، هذه المناطق تحت ضغط أيديولوجى فاقع اضطره، فى أغلب كتاباته، إلى التضحية بالمعلوم بالضرورة فى كتب مناهج البحث العلمى عن «نقد الأصول»، وإلى اعتماد «الأساطير»، سواء التراثية أو حتى الاستشراقية بحجة أن مهمته أبدا ليست تدقيق معلومة يعطيها لنا علماء وأن «المعلومات سواء كانت خطأ أم صوابا فهى ذلك المعطى الجاهز لنا من أهل التاريخ».

يُعرّف القمنى نفسه بقوله: «أنا مادى»، ومن المهم كذلك إثبات حقيقة أن الفارق الجوهرى «الفلسفى» بين الموقف «المثالى» والموقف «المادى» فى «ألف - باء» ماركسية، يتلخص فى أن:
الأول يقول بـ «أولية الله على المادة فى الوجود»، وبالتالى فهو يؤمن بوجود إله خالق للكون وللطبيعة وللإنسان، وبأن العلاقة بين الله «الخالق» والإنسان «المخلوق» يمكن أن تكون فى شكل رسالة وحى ورسول نبى بشرى.
وأما الثانى فيقول بـ«أولية المادة على الله فى الوجود»؛ وبالتالى فهو حسب «المادية الديالكتيكية» لا يؤمن بوجود موضوعى حقيقى لله، ومن ثَم، وهذا طبيعى لا يذهب إلى إمكانية وجود علاقة «سواء فى شكل دين أو وحى، بين إله «غير موجود عنده أصلا»، وبين إنسان هو الخالق الفعلى لله.. وحسب «المادية التاريخية» فـ«المادى» لا بد أن يبحث فى التاريخ الاقتصادى والاجتماعى للإنسان عن وجود وتطور فكرة الله والدين.
وهذا ما حاول القمنى الالتزام به فى مشروعه الفكرى الذى رفض فيه ما أسماه بـ «الرؤى الأصولية« التى تقول بأن الإسلام «مفارق سماوى» لتناقض هذا القول «الأصولى« أو «المثالى« مع «مادية» القمنى التى تقول بأنه لا شىء إطلاقا يبدأ من فضاء من دون قواعد مؤسسات ماضوية يقوم عليها ويتجادل معها، بل ويفرز منها حتى لو كان دينا.. والذى حاول فيه، ومن خلال دراسته للأديان عموما وللإسلام خصوصا، إثبات أن «فكرة التوحيد» هى الأخرى لا تأتى من فراغ، ولا تقفز فجأة دون بنية تحتية تسمح بها. لأن هذا القفز الفجائى يخالف منطق التطور وشروطه المجتمعية والاقتصادية والسياسية. حسبما تعلم «فى فلسفة التاريخ وقوانين الحراك الاجتماعى».
اللافت أن القمنى بعد نحو 14 كتابا أثارت سخطا وجدلا كبيرين أعلن قبل نحو «6» سنوات تراجعه عن جميع كتاباته وآرائه التى نشرها سابقا، ببيان نشره على صفحات مجلة «روزاليوسف» أعلن فيه توبته وبراءته من جميع كتاباته السابقة، معلنا اعتزاله الكتابة نهائيا لرعاية أفراد أسرته فيما تبقى له من حياة.
وأحدث هذا التراجع سخطا شديدا لدى المفكرين العلمانيين تجاه ظاهرة فتاوى التكفير والتهديد بهدر الدم، وذهب بعضهم إلى حدّ الهجوم على القمنى نفسه ووصفه بالكاتب الجبان لاستسلامه وتراجعه أمام التهديد الذى تلقاه على بريده الإلكترونى، كما ادعى، بل إن الناقد الفلسطينى شاكر النابلسى، أعاد تراجع القمنى أمام التهديد الأصولى إلى سياق مصرى معروف فى هذا المجال مثل تراجع الشيخ على عبدالرازق عن كتابه «الإسلام وأصول الحكم» وطه حسين فى كتابه «الشعر الجاهلى» والشيخ خالد محمد خالد، حين أصدر كتاب «الدولة فى الإسلام» معتبرا أن كل هذه الحالات تؤكد «عقدة الذنب الدينية»، التى تميز بها الفكر المصرى فى القرن العشرين ومدرجا القمنى ضمن هذا السياق.
عندما أعلن القمنى أنه قرر الكف عن الكتابة وتبرأ من أفكاره السابقة بعد تلقيه 3 رسائل تهديد من «القاعدة» توعدته بالقتل، وكانت آخر هذه الرسائل ـ بحسبه ـ تحمل توقيع «جماعة الجهاد - مصر»، وهى التى أمهلته أسبوعا ليعلن عدوله عن رؤاه. اتهمه خبراء فى شئون الجماعات الإسلامية بـ«الفبركة»، والسعى للارتزاق والتسول.
وقال القمنى يومئذ إنه تلقى تهديدا أخيرا صارما عبر البريد الإلكترونى، وحرصا على حياته وحياة أسرته اختار التوقف عن الكتابة.
وعلق الدكتور كمال حبيب، القيادى السابق فى جماعة الجهاد المصرية: إن ما ذكره القمنى لا يعدو أن يكون «دجلا ونصبا ومحاولة للتسول والارتزاق من بعض الجهات القبطية والعلمانية فى مصر التى تقدم له الدعم».
وأوضح حبيب أن القمنى «أفلس بأطروحاته المستفزة وغير العلمية»، مضيفا بأنه لا قيمة علمية له ويرغب فقط فى الشهرة.
وقال محامى الجماعات الإسلامية منتصر الزيات: إن جماعة الجهاد لا يعرفها إلا سيد القمنى وحده، وقلّل الزيات من شأن تصريحات القمنى موضحا بأنه يسعى للفت الانتباه إليه، وقال: القمنى كاتب ساخر يستغل قدراته الفكاهية فى الترويج ولفت الانتباه.
وكتب شريف الشافعى معلقا على اعتزال القمنى الكتابة : يبدو أن «الصمت» هو النهاية الطبيعية أو عنوان الصفحة الأخيرة فى ملف قضية التهديدات التى تلقاها الدكتور سيد القمنى - أو قال إنه تلقاها - فى يوليو العام 2005 على بريده الإلكترونى من جماعات متطرفة أَمَرَته - وفقا لروايته - بضرورة أن يكف عن الكتابة نهائيا فى مقابل نجاته من القتل.
كما أن أغلبية المثقفين والإعلاميين وحملة الأقلام لم تخدعهم «الفرقعة»، ولم ينجرفوا إلى أفعال ثورية لمساندة القمنى والدفاع عن موقفه «البطولى»، كما كان يطمح.
والواقع أن «الصمت» الراهن هو المحنة الحقيقية التى تواجه القمنى وحده، «وربما كان هذا الصمت هو محنته أيضا فى أوقات سابقة»، حيث إن عددا من المخالطين له فى الأوساط الثقافية المصرية يروجون لفكرة أنه كان يبحث عن الشهرة والانتشار بأى وسيلة وأى ثمن، بل إنه أسرّ فى جلساته الخاصة على مدار السنوات الماضية بأنه يأمل فى وجود جماعة تقوم بتكفيره بعد هذه السنوات التى أفناها من عمره وهو يهاجم المقدسات الدينية الإسلامية.
لقد أُسدل الستار على قضية تهديدات القمنى مبكرا، وفاتت فرصة استغلالها على النحو الأمثل بالنسبة له، فلم تَبْنِ هذه التهديدات المدعاة مجدا جديدا له اللهم إلا جائزة الدولة التقديرية التى حصل عليها فى نفس العام وهو ـ بإجماع الكثيرين ـ لم يكن يستحقها، ولم تُعْلِ أسهمه ككاتب وباحث تعود دائما على الدخول إلى مناطق محظورة، ولم يرتفع توزيع مؤلفاته إلى أرقام قياسية.

من كتابى "ضد الإسلام"..الطبعة الثانية.
الجريدة الرسمية