سجن الوطن
عندما يتحول الوطن إلى سجن كبير الغلبة فيه للبلطجية والأبواق العالية والهرتلة الإعلامية والإنسانية وطن كل الشعب مسجون بين حدوده يجمع في زنزانته الواسعة بين العالم والجاهل وبين الأدب وقلة الأدب ووطن الحكم فيه أبديا لامناص من الإفراج منه مادمت تحمل جنسية هذا الوطن الكبير بداخله من يملك المال يمكن أن يجند به كل أدوات السيطرة داخله ولاعزاء للعلماء والأدباء فهم الضعفاء والمستضعفون ويتحكم في مصيرهم الجهلاء والفتوات داخل هذا السجن الأبدى.
تذكرت في أفلامنا القديمة عسكري الدورية الذي كان يسير في كل الشارع ليل نهار يخافه ويهابه اللصوص والفتوات لأنه بصفارة واحدة يمكن أن يجمع كل العساكر والشرطة ويتجمعون عندما يجد لصا أو أي مخالفة يراها فكان الناس تشعر بأمان ويشعرون بقوة وبالتالى انتماؤهم يزداد للوطن.
والغريب أن عسكري الدورية كان يسير مترجلا بلا وسيلة تنقل وكانوا أكثر انتشارا في الأماكن ذات الكثافة السكانية العالية وهى الأماكن التي نطلق عليها مجازا اليوم بالمناطق الشعبية والتي يطبق فيها القانون العرفى الذي ارتضاه الناس بحكم التعود لا أكثر.
وكان هذا للأسف يحدث ونحن دولة يستعمرها الإنجليز ما أدراك من ناس يعيشون تحت حكم الاحتلال ولكننا كنا نسمع عن ولاد البلد الجدعان الذين اختفوا اليوم وليس لهم أثر بالمرة وأخذت الجدعنة مرادفات أخرى للسرقة بالفهلوة والخيانة.
شعبنا تغيرت سماته وصفاته وانحدرت أخلاقه نحو الأسوأ فقد جاء رمضان ورحل ولم أر نفحات الإيمان والتقوى والورع في وجوه الناس بالرغم من تجمع الآلاف من الناس لصلاة التراويح والصلاة وقراءة القرآن بصوت عالٍ ولكن المعاملات الإسلامية الراقية قد اختفت تماما من حياتنا واختلطت رائحة المسك برائحة العفن.
فأين الوطن ؟ تذكرت قصيدة زجلية كتبتها وفي ديوانى" أحزان مثقف" بعنوان "نفسى في وطن "وكان الديوان قبل الثورة بثلاث سنوات وكنت أعتقد أن مصر ستتغير بتغير الشعب للأفضل ولكننى كنت مخطئا وتقول كلماتها:
نفسى في وطن
مسجون في سجن كبير اسمه الوطن
ليه كل حلم كبير حلمته
يوم ما أشوفه ما أحس بيه
يوم ما تولد مات واندفن
نفسى في وطن
أه يا وطن
الكذب فيك بقى من الحقائق
والعقل في نظرك جنون
فإلى أي انحدار آخر سيكون مصيرنا ؟المجرمون يأمنون العقاب والعدل البطىء مثله مثل الظلم تمامًا ومازال مسلسل تحول العلماء إلى شىء آخر بتحرش الجهلاء بهم في كل نواحى الحياة والكذب عندما يصبح هو الحقيقة والعقل عندما يكون هو الجنون فكيف أوصف هذا العالم العربى العجيب الذي يصر على إسقاط كل قذوراته على الحكام متهمهم بأنهم هم سبب نكبته والحقيقة نحن الشعب بطبائعنا نحول الجمال إلى قبح دميم ونرى القبح جمالًا نحن من نخلق مسببات المرض ونلعن المرض إذا أصابنا ونحن المرض نفسه وبرغم كل ما ذكرت فأنا متفائل ولكن في زمن آخر يعلمه الله سنرى الجمال جمالًا والقبح قبحًا وكل عام ومصر بخير بمناسبة عيد الفطر المجيد
لكى الله يا مصر حماكى الله ورعاكى.