رئيس التحرير
عصام كامل

عبد الناصر "الثورة"..أشعل غضب الرئيس الأمريكي.. و«كسينجر» قال عنه «عنيد يفاخر بعناده».. مدير الـ«سى آى إيه»: فشلنا في اختراقه لأنه كان محصنا ضد الفساد

الزعيم الراحل جمال
الزعيم الراحل جمال عبد الناصر

لم يُذكر في كتب الغرب زعيم عربى قدر ما ذُكر جمال عبد الناصر، فهو الوحيد الذي تناوله ثلاثة آلاف كتاب أمريكى على وجه التحديد، عشرات منها لمجموعة من كبار مسئولى الإدارة الأمريكية، ما يعنى أن سيرته ظلت أسطورة في عيون أعدائه قبل أصدقائه، كما قال عنه موشيه ديان -وزير الدفاع الإسرائيلى- عندما رحل: "هذا الرجل العظيم الذي لن يتكرر في التاريخ، عبد الناصر كان ألد أعدائنا، وأكثرهم خطورة على دولتنا، ووفاته عيد لكل يهودى في العالم"، أما إدوارد هيث -رئيس وزراء بريطانيا الأسبق- فقال: "لم تكن قوة عبد الناصر ونفوذه معترفا بهما في مصر وحدها ولكن في جميع أنحاء العالم العربى"، بينما تفاءل برحيله حاييم بارليف رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلى قائلا عنه: "بوفاة جمال عبد الناصر أصبح المستقبل مشرقا أمام إسرائيل، وعاد العرب فرقاء كما كانوا وسيظلوا باختفاء شخصيته الكاريزماتية".

لكن مؤخرا اعترى الغرب الخوف من تجدد حالة عبد الناصر في المنطقة العربية وخاصة في مصر، وبدأت تلك المخاوف في الظهور مع ثورة 30 يونيو والالتفاف حول فكرة أمن مصر، فها هي صحيفة "الجارديان" البريطانية تكتب عما لفت نظرها في شوارع القاهرة التي امتلأت بصور الزعيم جمال عبد الناصر والفريق أول عبد الفتاح السيسي، حتى إن الأحاديث في المقاهى أصبحت تتمحور حول عودة الزعيم الراحل في صورة قائد الجيش المصرى، وإمكانية تأثير ذلك على مصر خلال الفترة المقبلة.
الصحيفة البريطانية ذكرت عن أحد الناصريين أنه "رغم محاولات تشويه صورة عبد الناصر على مدى 40 عاما، إلا إنه كلما مرت مصر بأوقات صعبة، سرعان ما يستعيد الشعب ذكراه مترحما على أيامه".
وعبرت الجارديان عن مخاوفها قائلة: "إن ما حدث من قائد الجيش المصرى عكس في جميع لقاءاته وخطبه الرسائل التي كانت تمثل ركائز الحقبة الناصرية مثل النعرة الوطنية والوحدة العربية والقيادة القوية"، مضيفة أن ناصر كان ضابطا بالجيش المصرى ووصل إلى مقعد الرئاسة بدعم من الجيش في عام 1956 بعد مرور أربعة أعوام من اندلاع ثورة يوليو 1952، التي أطاحت بالنظام الملكى في مصر.
ونسبت الصحيفة إلى ناشط سياسي قوله: "لقد أصبح عبد الناصر يشكل جزءا متأصلا في العقلية المصرية الجديدة، ويعود إلى السيسي وحده إذا ما كان يريد أن يحذو حذو الزعيم الراحل أو يكون نموذجا يحتذى لمن يأتى بعده".
ونشرت صحيفة "الجارديان" أيضا تحليلا بعنوان (ناصر القرن الـ21 في المنطقة)، في إشارة إلى الفريق السيسي، ويقوم التحليل على فكرة أن مصر هي الدولة القائدة والرائدة في المنطقة العربية، وأن الإسلاميين فشلوا في الاستمرار في ركوب الثورات العربية، ولذلك فإن ما يحدث في مصر بعد 30 يونيو يمكن أن يعيد سيرة عبد الناصر في المنطقة العربية، لأن دور السيسي في مصر خلال هذه الفترة سيعلى من شأن الجيوش الوطنية في المنطقة، ويعيد السيرة التي تكرهها أمريكا وحلفاؤها وهى سيرة الجيش الوطنى الذي يلتف الشعب حوله، ويثق في وطنيته وإخلاصه واستعداده لحماية الوطن والمواطن على حد سواء، مشيرا إلى أن نجاح مصر في خارطة الطريق سوف يخلق "سيسي - ناصر" في كل بلد عربى، ويرجع الفكرة الناصرية، فكرة الجيش القوى الذي ينظر له كعمود الخيمة.
هارولد ماكميلان -رئيس وزراء بريطانيا الأسبق- قال في مخاوفه من عبد الناصر: "إن نجاح عبد الناصر شجع فجأة الحركات القومية وجعلها تتصور أنها قادرة على سحق بريطانيا، ولو أن جمال عبد الناصر استقل بمصر وحدها لما كان الخطر كبيرا على مصالحنا في العالم كله، وأننى أقول لكم صراحة إن جمال عبد الناصر كان أخطر على مصالحنا من الاتحاد السوفييتى، ولم تستطع كل جهود روسيا أن تضعفنا كما استطاع أن يفعل عبد الناصر".
لم يكن اليوم بعيدًا عن الأمس، فها هو سامى شرف - وزير شئون رئاسة الجمهورية وسكرتير جمال عبدالناصر للمعلومات - في كتابه «سنوات مع عبدالناصر» يكتب عن الزعيم الراحل في عيون الأمريكيين قائلًا:«قصدت أن أبرز ما كتبه الأمريكيون بالذات، وهذا لا ينفى أن آخرين كثيرين من دول أوربا وآسيا وأمريكا اللاتينية قد أدلوا بدلوهم حول ثورة عبدالناصر أيضًا».
مضى شرف:«تحت يدى كتابات استطعت أن أحصل عليها من مئات الكتب، بل اللآلاف منها حيث سجلت مكتبة جامعة أوكسفورد من تسعة أعوام أنه كتب عن عبدالناصر ما يزيد على الثلاثة آلاف كتاب بلغات مختلفة، هذا بخلاف الدراسات والندوات والرسائل الجامعية والمحاضرات والأحاديث في الفضائيات المرئية والمسموعة مما يصعب حصرها عمليًا، أقول هذا ما استطعت أن أحصل عليه بوسائلى الخاصة لما كتب عنه بوساطة ساسة وكتاب ومفكرين وصحفيين من الولايات المتحدة الأمريكية بالذات، لعلها تفيد الباحثين في إلقاء الضوء على تجربة الرجل الإنسان التي وضعته في دائرة الضوء منذ قيام الثورة أو عقب قيامها، بفترة قليلة ومن اليوم وباكر كما هو مرئى ومنتظر».
وأهم من كتبوا عن ناصر هو الرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون في كتبه «القادة» و«الفرصة السانحة» و«نصر بلا حرب»، كما أن هنرى كيسنجر كتب:«سنوات فـى البيت الأبيض» الجزءان الأول والثانى، وكتب جون بادو سفير أمريكا السابق في مصر «ذكريات الشرق الأوسط»، كما كتب ويلبور كرين إيفلاند «حبال من رمل»، وكتب ستيفنز «حوار حول ناصر»، ومايلز كوبلاند كتب «لعبة المم»، وويلتون وين كتب «ناصر العرب»، وكتب كيرك بيتى «مصر خلال سنوات ناصر».
يقول شرف: وبالنسبة لعبد الناصر تفاوتت الآراء حوله: فقد كتب ستيفنز: «لقد كان ناصر أهم رجل أنجبته الصحوة العربية، وكان أحد أقطاب الثورة ضد الاستعمار، وهى إحدى الحركات الكبرى في القرن العشرين»، وكتب ويلتون وين:«لقد أصبح ناصر زعيمًا لكل العرب لأنه يمثل شعورهم اليوم أصدق تمثيل»، ووصفه السفير «هنرى بايرود» سفير أمريكا في القاهرة خلال الخمسينيات بأنه «القائد الوحيد في العالم العربى الذي يمثل الاتجاه الجديد، والذي يمكن لدبلوماسى غربى أن يجرى معه مناقشات مفيدة متزنة»، ويكتب عن الوحدة العربية فيقول:«إن ناصر لا يسعى للوحدة العربية، بل يود أن يرد الصاع صاعين للغرب، وقال:«لا أعرف إذا كان ناصر على حق أم على باطل، لكنى أعرف أنه لو حدث انتخاب حقيقى في سوريا أو الأردن أو العراق لفاز ناصر بنسبة كاسحة».
حالة رعب الغرب من عبدالناصر لخصها نيكسون عندما وصف ناصر بقول:«إنه سريع الغضب والاشتعال، نافد الصبر، ديكتاتور، تمتلكه المصالح الحمقاء التي سارت به إلى الأبد في طريق المزيد من حاجات شعبه الدنيوية قليلة الشأن»، ويقول:«رأيت الشباب والشيوخ أغنياء وفقراء ينصتون لصوته بنظرات يعلوها الابتهاج الغامر».
كما أن نيكسون كان يخشى عبدالناصر وخاصة في فكرته عن الوحدة العربية، وذلك واضح من خلال قوله:« لقد أعطى ناصر للمرة الأولى خلال قرون من الزمن لشعبه حكومة من أبناء مصر، وسعى في الوقت نفسه لتوحيدها مع أشقائها العرب، وكانت تلك الفكرة ثورية تامة مع انها تجذب إلى حد كبير لكنها غير مجدية ولا عملية»، ثم يقول:«بنى ناصر دعوته القومية على أساسين، أولهما:العداء لإسرائيل، والثانى: عدم الثقة بالغرب، وكلاهما عاملان هدامان بدلًا من أن يكونا عاملين بناءين»، مضيفًا:« لقد سعى ناصر دائمًا لتحقيق الوحدة العربية ليكون على رأسها، وهو يرى أن القومية العربية تعنى ولاء له وعداء للغرب، وتدخل بشكل مكروه في شئون بلدان عربية أخرى بالإعداد للانقلابات وحياكة المؤامرات وأعمال الاغتيال، وأشعل نيران الثورات وغاص عميقًا في الحرب الأهلية في اليمن».
الغريب أن كيسنجر كتب:«إن ناصر يهدد موارد دولته النادرة لخدمة مغامراته في الخارج لدعم موقفه المتشدد من أجل محاربة إسرائيل.. لقد وضع ناصر بلاده في صنارة في يد موسكو، وكان نظام حكمه استبداديًا قاسيًا غير أنه كانت لقسوته ليونة لأنه كان قائدًا ثوريًا محبوبًا.. كان ناصر قائدًا عاطفيًا قادرًا على الرؤية داخل قلوب شعبه، وقد سبب موته المفاجئ نار الآسى ومظاهر الحزن التي لم يشهد العالم لها مثيلًا»، ويراه كيسنجر في كتاباته:«عنيد يفاخر بعناده ويراه أساسيًا في سبيل توحيد العرب، ولأجل ذلك كان يرى نفسه مجبرًا دومًا على معارضتنا».
أما الكاتب الأمريكى «مايلز كوبلاند» رجل المخابرات الأمريكى فيقول عن عبدالناصر:«إنه لا يتصرف بداع من الحقد أو الهوى أو غير ذلك من الدوافع الدنيا، إنه من أكثر الزعماء جرأة، لا يقبل الرشوة، لكنه لا يؤمن بعلم الأخلاق، متعصب للمبادئ على طريقته الخاصة، لكنه ميال للخير العام والإصلاح الاجتماعى، وما أظن أننى ألتقيت من الزعماء من يفوقه في ذلك».
كوبلاند فسر حرص عبدالناصر على الوحدة العربية قائلًا:«إن ناصر أراد من الوحدة العربية إذلال كل من أذل العرب وسعى حثيثًا لتقوية أسطورة الوحدة العربية ليحاصر الحكام العرب ويضعهم تحت نفوذه».
فيما كتب السفير الأمريكى بايرون:«إن معظم رجال السياسة الأمريكيين الذين أتيح لهم الاحتكاك بناصر كانوا يوقنون أنه لا يطمح في حكم العالم العربى أو الإسلامى، وأن ناصر يعتقد منذ البدء أنه لا يمكن حمل أي فرد أو مجموعة أو أمة على فعل شىء بإتباع أساليب الترغيب والترهيب، وإنما بخلق ظروف معينة تحمل الموجود في خضمها على أن يطالب بفعل ذلك، فرغبات الجماهير ومتطلباتها هي التي تحفز على التحرك وليست رغبات قائدها أو حاجاته، إننا لن نواجه أي متاعب مع ناصر لو أنه يهتم بشئون بلاده فقط ويقلع عند التدخل في أمور الدول الأخرى».
وأضاف:«لقد أدركنا استحالة قيام انقلاب يجعل منه سوكارنو آخر.. فناصر لن يسقط بتذمر أو شكوى، ولن يتقوض نظامه وينهار إلا بضربة عنيفة مدوية» به.
الجريدة الرسمية