مينا دانيال "ابن الموت" الذي تحول لجيفارا.. حمل هموم الفقراء فشارك في ثورة 25 يناير.. هرب من رصاص القناصة في جمعة الغضب لتستقر في صدره في ماسبيرو.. والنيابة تستدعيه بتهمة التحريض على العنف
حين يصلك خبر وفاة الشاب المشتعل بالنشاط، المبتسم دائمًا، لا يجد لسانك وصفًا له سوي كلمة "ابن موت"، وإذا كان هذا الوصف قد خلق لشخص بعينه فلن يكون سوي ذلك الفتي الباسم مينا دانيال، الذي يمر اليوم 24 عامًا على تاريخ ميلاده.
لم يكن مينا دانيال نموذجًا مثاليًا لشباب ثورة يناير الذين أراد الإعلام المصري أن يروج لهم بأنهم أبناء الطبقات الراقية، فهو ابن منطقة زرائب "عزبة النخل" الفقيرة، وعمل أكثر من عمل حرفي كان آخرها "نقاش" لينفق على تعليمه بأحد المعاهد الفنية التي التحق بها.
حادثة "القديسين"
شكلت حادثة "القديسين"، نقطة فاصلة في وعي مينا دانيال السياسي، شارك على إثرها في ثورة 25 يناير كأحد أعضاء حركة "شباب من أجل الحرية والعدالة" وهي حركة شبابية أسسها نشطاء قبيل ثورة 25 يناير، يغلب على أهدافها العدالة الاجتماعية، ليجد نفسه قائدًا لمسيرة من أمام أحد المساجد بميدان الجيزة إلى ميدان التحرير، في 28 يناير 2011 "جمعة الغضب"، لتلتقط له أشهر صوره على الإطلاق، إلا أنه لم يرها حتى استشهاده، ويظهر في الصورة وهو يركض وفي خلفيته قنابل الغاز المسيل للدموع، إلا أن ما لم تكشفه الصورة هو رصاص القناصة الذي أخطأ دانيال بالصدفة، ليعود ويستقر في صدره قبل أن يخرج من ظهره بعدها بشهور ليست كثيرة.
موقعة الجمل
علاقة دانيال بالمساجد لم تنتهِ هنا، بل امتدت حتى موقعة الجمل في 2 فبراير حيث أصيب الشاب العشريني جراء تصديه لمهاجمي ميدان التحرير في هذا الوقت، وانتهي به الحال أيضا داخل مسجد، ولكن هذه المرة مسجد عمر مكرم الذي تحول إلى مستشفى ميداني لمعالجة المصابين لتخرج صورة جديدة لشاب مبتسم أثناء تلقيه العلاج متدثرًا بسجادة صلاة.
إذا كنت نزلت إلى ميدان التحرير طوال الـ18 يومًا، فأنت بالتأكيد قابلت مينا، كنت ستجده نائمًا على أحد الأرصفة ملتحفًا سترته ويضع تحت رأسه حجرًا صغيرًا، أو يقف في سلسلة بشرية لحماية المسلمين أثناء الصلاة ولمنع العابرين من أمامهم، أو منضم لإحدى الفرق الفنية الصغيرة يغني ويضحك ليملأ الميدان بالأمل، فقد وجد في ثورة تولد أمامه في ذلك الوقت نور العدالة الاجتماعية يخرج ليضىء ظلام اضطهاد عاشه الفقراء لسنوات، كما جاء نور المسيح الذي يؤمن به ليحرر البشرية من ظلمات هيردوس حاكم اليهود، فظل ملازمًا للميدان كما يلازم الراهب قلايته.
حادث أطفيح
وجاء حادث أطفيح ، فينضم دانيال لاتحاد شباب ماسبيرو، وهو حركة شبابية تهتم بالقضية القبطية، وكان أهم المواقف التي تروي عنه، هو نزوله من إحدى السيارات التي ذهبت للتضامن بعد حادث احتراق كنيسة العذراء بإمبابة لوجود شخص مسلح بها، فكان مبدأ مينا الذي يناضل من أجله هو أن أي صراع مسلح ليس في مصلحة مصر، وأن سيادة القانون هي الأمر الواجب الذي لابد النضال من أجله مع ضمان عدم تمييز هذا القانون، إلا أنه لم يعرف أنه سيموت نتيجة تحريض ضده، وضد باقي المشاركين في مسيرة ماسبيرو بعد الادعاء بأنهم اعتدوا بالأسلحة على قوات الجيش، ليموت بعد إكمال عامه الواحد والعشرين بأقل من ثلاثة أشهر، تاركًا صورة أيقونة للثورة المصرية تقترب في نقائها من أيقونة "جيفارا"، لتكتشف عائلته استدعاءه بتهمة التحريض على العنف في نفس الواقعة التي استشهد فيها.