رئيس التحرير
عصام كامل

أوباما «الإيرانى»


الأمريكيون يأخذون وقتهم. ليسوا مستعجلين. ووزير خارجيتهم الجديد الذى يملك «أفكاراً» لإقناع الأسد بالتنحي، سيبدأ قريباً جولة فى أوروبا والشرق الأوسط هدفها الأول «الاستماع» إلى وجهات النظر حول سورية. وكأن عامين مرا على بدء انتفاضة السوريين لم يكفيا كيرى لتكوين فكرة عن هذا «الملف». وكأن ما يقارب 90 ألف قتيل سقطوا فى حرب نظام دمشق على شعبه لم يقنعوا الوزير المحنك بأن السوريين لا يملكون ترف الانتظار.


أما دعوات واشنطن إلى رحيل الرئيس السورى فتحولت إلى تصريحات خجولة عن «حتمية التغيير» وعن «التنسيق مع الشركاء الدوليين» لإيجاد «حل ديبلوماسي».

لكن «الشركاء»، أى الروس، وشركاء الشركاء، أى الإيرانيين، يضحكون جهاراً وليس فى السر، وهم يستمعون إلى التبريرات الأمريكية لمنع وصول السلاح إلى المعارضة، وإلى تبنى واشنطن «قلقهم» من تزايد «المتشددين» فى صفوف الثوار، فيما هم يمدون جيش الأسد بما يحتاجه للمضى فى «الخيار الأمني»، ويساعدونه مع «حزب الله» فى تشكيل ميليشيا علوية لـ «منع سقوط طهران بعد دمشق».

وتنضم إسرائيل إلى موجة «القلق» هذه، فما أن ينكشف أمر الهجوم الذى يشنه «حزب الله» بآلاف من مقاتليه فى داخل الأراضى السورية، حتى تنبرى للتغطية عليه، ويرفع قادتها العسكريون عقيرتهم بالتحذير من «خطورة» الحزب على أمن الدولة العبرية، ومخاطر حصوله على أسلحة غير تقليدية، وضرورة ضمه إلى «لائحة الإرهاب» الأوروبية، وكل ذلك فى إطار «تلاقى المصالح» فى الدفاع عن نظام ارتضى الشعارات بديلاً من تحرير أرضه.

ويندرج الموقف الأمريكى من الوضع فى سورية فى إطار أوسع هو الموقف من إيران. وحتى الآن، وعلى العكس من خطبه وجمله الرنانة، فإن معظم مواقف وسياسات باراك أوباما فى المنطقة خلال ولايته الأولى وفى بدايات ولايته الثانية، خدمت وتخدم بصورة مباشرة أو غير مباشرة سعى الإيرانيين الذى لا يكل إلى مد نفوذهم فى العالمين العربى والإسلامي، وتعزيز قوة حلفائهم فيهما، بدءاً من التخلى لهم عن العراق، ومروراً بتمديد الوقت لطهران لإنجاز حلمها النووي، ووصولاً إلى الدعوة لفتح حوار ثنائى مباشر يعرف أى مبتدئ فى السياسة أنه يعنى الاعتراف المسبق المتبادل بمصالح كل طرف فيه، بما يعنيه ذلك من تكريس «حق» إيران فى التدخل فى شئون دول الجوار، مثلما هو حاصل فى سورية ولبنان والبحرين واليمن ومصر.

وفى مقابل هذا التراخى فى وجه طهران، لا تملك إدارة أوباما سوى وعود مبهمة ومجربة عن سعيها إلى «الضغط» على إسرائيل لإنجاز تسوية فى الملف الفلسطيني. وهى وعود تتكرر للمرة الألف، وتعرف إسرائيل، فيما لو صحت، كيف تستوعبها وتلتف عليها، حتى بات قبولها بالدولة الفلسطينية أكثر بعداً مما كان عليه قبل «الضغوط» الأمريكية، لا سيما أنها ماضية بدأب فى فرض واقع استيطانى – جغرافى لن يسهل تغييره.

والخلاصة أن أوباما يخوض فى سياسته الإيرانية، وبالتالى السورية، مخاطرة لن تكون نتائجها فى أى حال لمصلحة الأمريكيين ولا منطقة الشرق الأوسط. فطهران لن تتراجع طوعاً عن سياستها النووية وتدخلاتها لزعزعة استقرار دول الجوار طالما تشعر بأن هدف واشنطن من العقوبات الاقتصادية هو فقط إضعاف موقفها فى المفاوضات المباشرة، وليس إجبارها على تغيير هذه السياسات. أما «الشراكة الدولية» التى يبدى الأمريكيون حرصاً عليها، فرهن بموازين القوى على الأرض وليست من ثوابت الآخرين، فيما السوريون يدفعون الثمن من دمائهم.

نقلًا عن الحياة

الجريدة الرسمية