أحمد قذاف الدم يكتب عن «داعش»: استمرار التنظيم يعرض الجزيرة العربية للتقسيم والاحتلال ويجب التصدي له.. أمريكا قضت على العراق واتجهت إلى سوريا وليبيا تحت غطاء «الديمقراطية».. وأدعو
كثيرون يتساءلون وكثيرون يحللون ويحرمون وكثيرون ينساقون قطعانًا وراء وهم يصارع وهما، فما الذي يجري في هذه الأمة.. هل هو ربيع؟.. هل هو انتصار للحركات الإسلامية لتأخذ دورها وتفرض أفكارها وشرائعها المتعددة؟.. أم هو صراع على السلطة بعد أن نجحت حركات فاشية باختطاف حلم الأمة؟.. وإن كانت ثورات ما غاياتها؟ وأين قيم الثورة وأهدافها النبيلة من هذا السلوك؟ وأين هو شرع الله مما نشاهده في ربوع أو ربيع هذا الوطن الكبير؟! أم هل هي مؤامرة خارجية لتمزيق الأمة وتدمير جيوشها وقدراتها الاقتصادية؟ وعلينا التدقيق والتصرف بمسئولية، ورغم ضرورات التغيير وشرعية الدوافع التي أوجبت التغيير إلى الأفضل، فلا ندري لماذا تسوقنا هذه الموجة بعيدًا عما ينبغي أن توصلنا إليه؟.. هل لعدم وجود رؤية موحدة رغم الغايات التي يفترض أن تكون واحدة أم ماذا؟
الحقيقة أن معظم الأمم تتصارع وتبحث عن ذاتها، وتوظف إمكاناتها لوحدتها ونهضتها، حتى لا تقبع في دائرة التشرذم والدونية والغبن والجهل، فعلي أطراف هذا الوطن الكبير الأمة الفارسية والتركية وجدوا ضالتهم ويسعون لتحقيق ذاتهم وكذلك بناء دولة مرموقة تليق بهم، ولا أريد أن أتحدث عن الرومان، والإسبان أو الألمان، أو الهنود أو الصينيين، أو عن وحدة أوربا حيث جمعت قوميات مختلفة قوية على تخوم جناح العرب الغربي وعلى مرمى حجر منه أصبحت هذه القوميات تجوب الأنحاء بجواز موحد وعملة موحدة وقوة عسكرية واحدة.
ونحن كل منا فرحًا بدويلته وعلمه المثقوب وجيشه المهزوم وعملته غير المعروفة، ووسط هذا العالم الذي يموج بالطغيان لن تحميه حدوده التي لا قدسية لها، لأنه ورثها من هؤلاء الطغاة نفسهم.. إنه شيء مخجل ومخيف، ولن نعبر للمستقبل ما لم نتدارك الأمر، حيث إن دماءنا لم تجف بعد من غاراتهم وغزواتهم من البصرة إلى الجزائر إلى بنزرت ومن قانا إلى ماجر وهذا مخيف، والمسافة بيننا تتسع وكذلك نشعر بالخجل ونحن نقف أمام بوابات تفصل بين قبائل وعائلات واحدة تمامًا كسور برلين الذي هدمه الألمان في ليلة أصبحت عيدا أعاد الكرامة لأمة تستحق الاحترام عندما سحقته تحت أقدامها في تحد لكل القوانين والاتفاقيات، والفوارق الاقتصادية لتصبح أمة مهابة، ونحن دويلات غير قابلة للحياة وتتقسم كل يوم وتتناحر أسوق ذلك لا لكي أسوق مشروعًا يدفع للأمام وإنما لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أدق جرسًا قبل فوات الأوان بأن ما يحدث رغم شرعيته يجعلنا نعيد القراءة، لا أن نستمر في هذا التيه في صحراء الوهم.. فهل نحن ضحية مؤامرة أجنبية كما يشاع أم أن دويلاتنا لم تعد قابلة للحياة ؟.. الواقع في كل ذلك أنني أعرف أن الخطط الإستراتيجية المرسومة بعد ظهور الولايات المتحدة كقطب اعتبرت أن أعداءها الخطوط الثلاثة: الأحمر" الشيوعية".. الأخضر "الإسلام".. الأصفر "الصين"، ونجحت في تدمير الخط الأول وتسعى لضرب الخط الثاني بأسلحة مختلفة وهذا ليس سرًا، بل معلنا في كل وثائق أجهزتها المختلفة، ورسمت الخطط وكثيرًا من الحكومات العربية لديها من الوثائق مما يؤكد ما أقول منذ مطلع الثمانينات، إنه حقهم في الدفاع عن أنفسهم كدولة كبرى واعترافًا منهم بعظمة الأمة وقدرتها على التحدي.. ولعل الأمم عبر التاريخ عندما تطغى تقوم بتوسيع محيط الأمان أو ما يسمى بالمجال الحيوي لبقائها، ولعل استشهاد جدنا عبد الرحمن الغافقي في معركة بلاط الشهداء جنوب فرنسا دليلًا فمن الجزيرة العربية وعلى صهوات جياد قاتلوا هناك؟!
وللأمم خلق المبررات أو كما يقول القذافي دائمًا ليس للاستعمار زمن وإنما له ظروف إذا ما توفرت كان متوقعًا حتمًا، وحيثما وجد فراغ كان الاستعمار حاضرًا، ونحن نوفر الآن الظروف ما لم نتدارك الأمر، إن ما يحدث من حراك في المنطقة العربية والذي قادها شبابنا وبروح وثابة هو رد فعل طبيعي لواقع مزر وهزائم على كل الجهات مما استفز هذه الأمة لتنتفض، وتجد لها مكانًا يليق بها كبقية خلق الله وهذا حقها، لكن من الغباء ألا نعرف بأن المتربصين بها لم يرصدوا ذلك أو يتوقعوه أو لم يشاركوا فيه، وأيضًا من الغباء ألا ندرك أو نتحول إلى أدوات تجرها خيول الأعداء إلى حتفها، ونقع في شراكها.. فالغايات النبيلة لا يفرضها السلاح ولا تصنعها الفوضى.. أتذكر بعد احتلال أمريكا وحلفائها للعراق كان الجميع يعرف أن الهدف التالي هو سوريا وليبيا تحت غطاء الأسلحة النووية أو الغاز أو الديمقراطية وجندوا وسائل إعلامنا وأموالنا وللأسف جيوشنا في بعض الحالات لهذه المهام، واختلقوا الذرائع، واختلط الحابل بالنابل والحلال بالحرام، ورأينا على الشاشات الفتاوى التي تبيح الاستقواء بالأجنبي وموالاة الكفار، وتحلل دماء المسلمين، وأصبحت الخيانة وجهة نظر تناقش دون حياء، وباسم الحرية تحولنا إلى عبيد، وأصبح التدخل في شئوننا علنًا بل ومصدر فخر فضائي كل مساء!!.. للأسف إذن النتيجة لا ديمقراطية ولا حرية ولا كرامة، بل في كل صبح ننتظر هذا الربيع الذي تسيل ودياننا من وده.. دماء ودمار وأباتشي وتشرد، وما زال هناك من يكابر ويكبر ويعتبر أنه من صنع هذا النصر ويعتبر أن ذلك إنجاز!! ولا أغالي إذا ما قلت بأن ما جرى في العراق واليمن ويجري في سوريا، وهي أوتاد الجزيرة العربية إذا ما تسرعت سيسقط جابر البيت لا محالة، ما لم نعد النظر، فإن الصراع يأخذ منحنى خطيرا يهدد بقاء الأمة وتدميرها، وتجاوز إسقاط أنظمة، بل هي الفوضى الخلاقة التي بشرتنا بها كونداليزا رايس، والتي لن تبني أمة، خصوصًا أن هناك أكثر من ألف علامة استفهام على رموزها وداعميها، وأساليبهم البهلوانية، وشعاراتهم وروحهم التي تشع حقدًا وألسنتهم تقطر سمًا، وكل ذلك لا يبني مستقبلًا مزدهرًا بل العكس وهذا مصدر القلق والتعجب، وحول الحلم إلى كابوس، كذلك ليس صدفة أن يتحول الإسلام إلى معسكرات سنة وشيعة والقيادة في طهران وإسطنبول ونحن ميدان لهذا الصراع الوهمي ويصبح العدو الإسرائيلي حليفًا والسلفية تتأرجح بينها وبين القاعدة وسط ذلك كله تبحث عن مكان بعيد عن واشنطن ونيويورك، ويصبح العراق العربي بابليا وأشوريا وكلدانيا، ويعلم الله كيف ستكون سوريا غدًا.
باختصار لقد انجرفنا شعوبًا، ودولًا طوعًا وكرهًا وقدمنا خيرة شبابنا لمعركة الهدم، والتي لا معنى لها سوى التمهيد لمعركة "همر جند" على ما يبدو.
إن في الصمت نارا وفي الكلام نارا، فعوامل القوة أصبحت عوامل دمار، أقول لقد نجحت القوى المعادية للأمة في استخدام الجيل الرابع من الحروب وهي حرب تحقق أهدافها دون أية خسائر، فنحن قادتها ووقودها نمولها وتسحقنا، أي "تدمير ذاتي".
في معارك داعش والغبراء وعلى شباب هذه الأمة أن يعي جيدًا للتصدي له، لأنه إذا استمر ذلك لن يصبح للعرب في شمال أفريقيا مكان، وستتعرض الجزيرة العربية للتقسيم والاحتلال، ولن يكون للإسلام دعوة ولا سيف فالعروبة والإسلام وجهان لعملة واحدة.. حالنا حال الجسد المريض حيث تظهر الفيروسات لتفتك به مهما كانت صغيرة، ستظهر ديانات لم نعد نسمع بها، وكذلك أثينات منقرضة وستنقض أمم حولنا لتقص أطرافنا بعد سبتة ومليلة.. وأم الرشراش.. الإسكندرونة.
السؤال هل نحن مجرمون في حق أنفسنا لهذا الحد أم وصل بنا الغباء مداه ؟؟!!! هل نحن صم بكم عمي.. لا نسمع الطائرات ولا نرى الأساطيل ونردد آيات الله ونتمسح بها على الجانبين وكل منا يكبر على الآخر ليذبحه لا ليهديه؟!!! ثم ما النتيجة؟ سيقول الغاوون إن الثورة الفرنسية أخذت مئة عام وسيقول آخر يكفي أننا أسقطنا الطغاة.. وغيرها من حالات الإنكار للتكفير عن السيئات.. للأسف فالواقع يقول غير ذلك.. ولكل عصر أدواته ووسائله.. ما نراه أننا تركنا الأهداف وتحولنا لصراع على سلطة غير موجودة وأوطان مدمرة وجهاد غير مقدس.. وأصبحنا جميعًا ضحايا باحثين عن أمل ومعجزة تأتي بالحرية والكرامة.. أو خلافة عاشت في داخلنا نستدعيها بوسائل عصر غير العصر.. أكيد نريد استنهاض الأمة وبعث الحياة فيها وهذا يحتاج أن نوحد قدرات الأمة ونجمع شتاتها ونقتحم بها العصر وأن يصبح الشيعة والسنة في خندق واحد.. وأن كل الاجتهادات التي يقدمها أكثر من 70 تنظيمًا دينيا سلميا.. أو متطرفا يجمع خيرة شبابنا منبعها واحد.. وليس من الإسلام في شيء أن تتحول إلى جهاد وهمي !! فتلك معركة في غير محلها وهستيريا يجب أن تتوقف لتوظف بشكل مختلف تمامًا.. المدهش أن بعض الأنظمة العربية تدعم وتغذي هذا الصراع الدامي.. ومعارك الدين الوافد.. وتدافع عن الديمقراطية.. وحقوق الإنسان التي لا وجود لها عندهم وهي تعرف أنها تنتظر دورها في الذبح !!! وتساهم بسخاء في الحرب النفسية الموجهة والمدروسة لصالح العدو لماذا نبدد طاقات الأمة وهل أولوياتنا تصبح كأولويات ملوك الطوائف التي أسقطت الأندلس.. ومن العدو ومصدر الخطر.. وما الحل ؟؟ ثم ماذا بعد هذا ؟؟
إنني أدعو إلى حوار يجمع كل القوى السياسية والاجتماعية وكل التيارات الدينية في العالم العربي بما في ذلك الإخوان والقاعدة لكي يجتمعوا على كلمة سواء بدلًا من تبديد هذه القدرات وتوظيفها حيث يجب أن تكون.. إن كانوا يريدون رفع راية المسلمين وتوحيد كلمتهم.. لأن المعركة هي معركة دفاع عن الأمة.. وليست معركة سياسية أو مذهبية.
لقد تجاوزنا كل الخطوط الحمراء.. وعلى الجميع أن يتوقف.. فلن ينجو أحد من هذا الدمار الذي بات يطول كل شيء.. بما في ذلك مقدراتنا الدينية.. ولم يعد الأمر بخاف على أحد.. وليس مع العين أين.
أخيرًا: لقد انسقنا بعيدًا وبددنا أحلام هذه الأمة في مستقبل مشرق ما لم نبادر في إعادة القراءة للواقع بشكل علمي مدروس.. لأن الفريضة الغائبة عن هذه الأمة هي " العلم " فلقد سيطر الجهل على العقول وأصبحت الهوة بيننا وبين الأمم التي ارتادت المريخ تتسع ونحن نتوه في صحراء الوهم والوهن.. ولذا علينا أن نشحذ الهمم ونرص الصفوف.. فهذه الأمة العظيمة تستحق مكانة غير هذه.. وعلى أبنائها أن يتحملوا مسئولياتهم للدفاع عنها بالوعي من الأخطار التي تهدد وجودها وتسخير طاقاتها الخلاقة بشكل إيجابي ليس بالحقد الأعمى الذي يدمر كل شيء.. علينا ألا نفقد الأمل في معالجة أمورنا بالحكمة قبل فوات الأوان.