رئيس التحرير
عصام كامل

زينب بنت الرسول الكبرى رضي الله عنها.. مثال لوفاء الزوجة والابنة

فيتو


هي زينب بنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم خاتم النبيين. وزينب رضي الله عنها، هي كبرى بنات الرسول صلى الله عليه وسلم، والأولى من بين أربع بنات هن زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهن، وهي ثمرة الزواج السعيد الذي جمع بين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم.


ولدت زينب رضي الله عنها في السنة الثلاثين من مولد محمد صلى الله عليه وسلم، التي أحبها كثيرًا وكانت فرحته لا توصف برؤيتها.
ترعرعت زينب في كنف والدها حتى شبّت على مكارم الأخلاق والآداب والخصال فكانت تلك الفتاة البالغة الطاهرة.

تزوجت السيدة زينب بنت رسول الله من أبي العاص ابن خالتها هالة بنت خويلد أخت خديجة رضي الله عنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عاشت زينب حياة سعيدة في كنف زوجها وكانت خير الزوجة الصالحة الكريمة لأبي العاص، وكان هو خير الزوج الفاضل الذي أحاطها بالحب والأمان، وشاء الله تعالى أن يكون ثمرة هذا الزواج السعيد طفلين أنجبتهما زينب رضي الله عنها، الأول على بن أبي العاص الذي توفي صبيا وكان رسول الله قد أردفه وراءه يوم الفتح، والثانية أمامة بنت أبي العاص التي تزوجها على بن أبي طالب كرم الله وجهه بعد وفاة فاطمة الزهراء رضي الله عنها.
في يوم نزول الوحي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم اجتمعت خديجة رضي الله عنها ببناتها الأربع زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهن وأخبرتهن بنزول الوحي على والدهم صلى الله عليه وسلم، وبالرسالة التي يحملها للناس كافة، فأسلمن البنات الأربع برسالة محمد صلى الله عليه وسلم دون تردد.
وعاد أبو العاص من سفره، وكان قد سمع من المشركين بأمر الدين الجديد الذي يدعو إليه محمد صلى الله عليه وسلم، فدخل على زوجته فأخبرها بكل ما سمعه، وأخذ يردد أقوال المشركين في الرسول صلى الله عليه وسلم ودينه، في تلك اللحظة وقفت السيدة زينب رضي الله عنها موقف الصمود، وأخبرت زوجها بأنها أسلمت وآمنت بكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ودعته إلى الإسلام، فلم ينطق بشيء وخرج من بيته تاركًا السيدة زينب بذهولها لموقفه غير المتوقع.

بعد عام الحزن الذي شهد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه بناته رضي الله عنهن وفاة كل من السيدة خديجة رضي الله عنها، وعم الرسول صلى الله عليه وسلم أبي طالب، زاد بطش وتعذيب كفار قريش للرسول صلى الله عليه وسلم، فكانت هجرة الرسول إلي يثرب
وبعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة أمر بإحضار ابنتيه فاطمة وأم كلثوم رضي الله عنهن إلى دار الهجرة يثرب، أما رقية رضي الله عنها فقد هاجرت مع زوجها من قبل، ولم يبق سوى زينب التي كانت في مأمن من بطش المشركين وتعذيبهم وهي في بيت زوجها الذي آمنها على دينها.

بعد أن استولى المسلمون على قافلة كانت قادمة من بلاد الشام حاملةً بضائع لأهل مكة، وحشد رجال قريش وإشرافها الجيوش وجروا العتاد والأسلحة؛ لمواجهة محمد صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه للقضاء عليهم في يثرب، وشارك أبو العاص زوج السيدة زينب رضي الله عنها في الموقعة، وقرر الوقوف ضد رسول الله ووالد زوجته صلى الله عليه وسلم والمسلمين في موقعة بدر.

كانت زينب رضي الله عنها تدعو الله سبحانه وتعالى أن ينصر والدها على أعداء الله، وأن يحفظ زوجها من كل سوء على الرغم من عصيانه لله.

وعندما وصل خبر انتصار المسلمين إلى مكة كانت فرحة زينب بهذا الانتصار لا توصف، ولكن خوفها على زوجها لم يكمل تلك السعادة التي غمرتها، حتى علمت بأن زوجها لم يقتل وأنه وقع أسيرًا في أيدي المسلمين.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى أبا العاص زوج ابنته ضمن الأسرى، واستبقاه عنده بعد أن أمر الصحابة أن يستوصوا بالأسرى خيرًا.
وجاء في فداء أبي العاص أخوه عمرو، وبعثت معه زينب بقلادة لها من جزع ظفار-أدخلتها بها خديجة- في فداء زوجها، فلما رأى رسول الله القلادة عرفها، ورق لها وقال:' إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فعلتم'؟ قالوا: نعم. فأخذ عليه العهد أن يخلي سبيلها إليه، ففعل ).

بعد أن افتدت السيدة زينب رضي الله عنها زوجها الأسير عند رسول الله، طلب الرسول من أبي العاص أن يخلي سبيل زوجته إليه ويجعلها تلحق بأبيها إلى دار الهجرة المدينة، فرضي أبو العاص على ذلك.
وعندما عاد أبو العاص إلى مكة أمر زوجته باللحاق بأبيها في المدينة وأمر أخاه كنانة بن الربيع بمرافقة زوجته.
عندما علم رجال قريش بخبر خروج السيدة زينب إلى أبيها لحق بها هبار بن الأسود ومعه رجل آخر من قريش فعندما لقيها روعها برمحه فإذا هي تسقط من فوق بعيرها على صخرة جعلتها تسقط جنينها، فولى الرجال من بعد ذلك هاربين.
رجع كنانة بي الربيع إلى مكة ومعه زينب حتى ترتاح من الألم والمرض الذي ألم بها وبعد عدة أيام اصطحبها مرة أخرى إلى يثرب.
أخبرت السيدة زينب رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعله هبار وصاحبه، فاشتد غضب الرسول صلى الله عليه وسلم ' ثم أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرية لمعاقبة هبار وصاحبه، وأمرهم بإحراقهما إن ظفروا بهما، ثم أرسل إليهما في اليوم التالي أن اقتلوهما فإنه لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله تعالى.
وأقامت السيدة زينب رضي الله عنها مع طفليها في كنف والدها صلى الله عليه وسلم حتى العام السابع من الهجرة.

قبل فتح مكة وبينما كان أبو العاص عائدًا في قافلة من رحلة تجارة من بلاد الشام إلى مكة حاملا معه أموال قريش التي أؤتمن عليها، تعرض لقافلته سرية بقيادة زيد بن حارثة رضي الله عنه ومعه مائة وسبعين رجلا، تمكنت هذه السرية من الحصول على كل ما تحمله تلك السرية من مال وهرب عددٌ من رجال القافلة وكان أبو العاص واحدًا منهم.
وخشي أبو العاص على أموال قريش التي كان قد أؤتمن عليها، فلم يجد إلا أن يتوجه إلى مكة ليلا ليستجير بالسيدة زينب رضي الله عنها أن يعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم مال قريش، ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح فكبّر وكبر الناس معه، صرخت زينب من صفّة النساء: أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع.
اجتمع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه بأبي العاص، فاستشار صحابته أن يردوا على أبي العاص أمواله التي أخذوها من القافلة، واتفق الصحابة جميعًا على إعادة المال لأبي العاص كاملا دون نقصان، ورجع أبو العاص بالمال إلى مكة وأعطى كل واحد من قريش نصيبه من المال ثم أشهر إسلامه وعاد إلى يثرب قاصدًا مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وبعد إسلام أبي العاص أعاد الرسول صلى الله عليه وسلم زينب إليه بنكاحه الأول وقيل إنه أعيد إليها بنكاح جديد وعاشا من جديد معا والإسلام يجمعهما.

بعد عام من التمام شمل الزوجين بدأ المرض يزداد على السيدة زينب رضي الله عنها، وظلت زينب ملازمة الفراش فترة طويلة من أثر ما تعرضت له من قبل هبار بن الأسود، وهي في طريقها إلى يثرب للهجرة. ولم تستطع الأدوية أن تخفف من مرض زينب فسلمت أمرها لله سبحانه وتعالى في العام الثامن للهجرة.
الجريدة الرسمية