رئيس التحرير
عصام كامل

مدير برنامج الأبحاث التركية بمعهد واشنطن: الصراع العراقي الراهن دفع لتحسن العلاقات "التركية – الكردية".. وأنقرة ترحب بـ"الحكم الذاتى" بعد سنوات من الرفض.. وظهور "داعش" أربك حسابات أكراد سورية

صوره تعبيريه
صوره تعبيريه

كشف سونر جاجايتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أن العلاقات بين تركيا والأكراد قد تحسنت، نتيجة الاضطرابات الراهنة في العراق، بعد أن كانا ألد الأعداء حتى فترة ليست ببعيدة.

سونر، ذكر أن أنقرة التي كانت لا تتقبل فكرة الحكم الذاتي للأكراد في العراق أو سوريا أو تركيا، ورفضت الإذعان لمطالب الأكراد الأتراك بحقوقهم الثقافية، وآثرت قمعهم، حسنت علاقتها الآن مع الأكراد.

قبول الحكم الذاتى

وأوضح سونر أن الحرب الأهلية السورية والتطورات العراقية بدأت تغيّر الصورة بكاملها، فمن وجهة نظر تركية، لم يعد الحكم الذاتي للأكراد هذه الأيام سيئًا إلى درجة كبيرة، فالمناطق في شمال العراق وسوريا الواقعة تحت السيطرة الكردية تنعم بالاستقرار والسلام لتشكل بذلك حصنًا مثاليًا ضد التهديدات الناشئة عن تنظيم «داعش». 

وتنتهج تركيا السلوك الحسن مع الأكراد العراقيين وتعمل على تسوية علاقاتها مع الأكراد السوريين، ربما تفضّ في النهاية المأزق الذي وصلت إليه مع الأكراد على أرضها، مع أن ذلك ليس بالمهمة السهلة.


أحداث العراق

سونر قال إن العلاقات بين تركيا وأكراد العراق بدأت في التحسن أعقاب الحرب العراقية، حين لجأ الأكراد العراقيين إلى أنقرة للتصدي إلى الجذب المركزي من قبل بغداد.

لكن أمل الأكراد خاب حين بقي العراق بعد حكم صدام حسين بلدًا عربيًا؛ وكل ما حصل هو انتقال السلطة من العرب السنة إلى العرب الشيعة.


وفي الآونة الأخيرة، بدأ أكراد العراق يبيعون نفطهم عبر تركيا فتخطوا بذلك بغداد ومنحوا أنقرة هديةً ضخمة تتمثل برسوم العبور والإيرادات الضريبية فضلًا عن تعزيزهم مسعى تركيا بأن تصبح مركز إقليمي للطاقة.

سونر أكد أن زحف «داعش» في العراق- الهجوم على القنصلية التركية في الموصل في 11 يونيو، الذي احتجَزت خلاله الجماعة دبلوماسيين ومسؤولين أمنيين أتراك كرهائن - قد جعل الحاجة ملحة إلى تحسين العلاقات بين تركيا وأكراد العراق، كما أنه دفع تركيا إلى التراجع عن بعض الخطوط الحمراء الواضحة التي كانت قد وضعتها سابقًا في علاقتها مع الأكراد.

ففي عام 2005 هددت تركيا باللجوء إلى العمل العسكري إذا ما احتل الأكراد مدينة كركوك الغنية بالنفط في شمال العراق، فاحتياطي النفط في تلك المدينة كان يمنح "حكومة إقليم كردستان" دحلا مستقلًا- وتعتمد "حكومة إقليم كردستان" على بغداد في التحويلات المالية التي تحصل عليها-، الأمر الذي من شأنه أن يشكل الخطوة الأولى نحو السيادة التامة.

لكن في الثاني عشر من يونيو الماضي، حين تحركت القوات الكردية لاحتلال كركوك، لم تتحرك أنقرة خطوة، ليؤكد سونر أنه إذا أعلنت "حكومة إقليم كردستان" الاستقلال، فستكون أنقرة أول عاصمة تعترف بها، أي أن داعش تشكل بالنسبة للأتراك تهديدًا أكبر من استقلال الأكراد في العراق.

الحرب السورية

وفي حين أن علاقات تركيا مع أكراد العراق تحسّنت على مدى الأعوام الماضية، بقيت علاقات أنقرة بأكراد سوريا غير جيدة، لأن «حزب العمال الكردستاني» يحظى بشعبية كبيرة بين أكراد سوريا، خلافًا للأوضاع في "حكومة إقليم كردستان" حيث تمسك الجماعات الكردية العراقية بزمام الأمور بصورة أكبر من المسموح به لـ «حزب العمال الكردستاني» في تركيا.

وبحسب الباحث التركى، حين احتدمت الحرب ضد الرئيس السوري بشار الأسد، وجدت تركيا في ذلك فرصة لها، ولجأت تركيا إلى «حزب الاتحاد الديمقراطي» ودعت زعيمه إلى أنقرة، إلا أن «حزب الاتحاد الديمقراطي» تردد في ذلك.

ومنذ البداية تمثلت إستراتيجية الأكراد في الحرب الأهلية السورية ببساطة بالسيطرة على المناطق الكردية وترك الآخرين يتقاتلون في ما بينهم، وقد بلغ الأمر بـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» في بعض الأحيان أن تعاون مع نظام الأسد، عبر السماح للإمدادات بالمرور إلى المعاقل التي يسيطر عليها النظام، وامتنع الأسد عن استهداف المناطق التابعة لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي»، فلم يكن منطقي أن يتعاون «حزب الاتحاد الديمقراطي» كلية مع تركيا.

وظهور "داعش" اربك الحسابات ودفع إلى تعاون

ويذكر سونر، أنه مع ظهور تنظيم «داعش»، تغيرت حسابات الأكراد السوريين، فلكل من «حزب العمال الكردستاني» و«حزب الاتحاد الديمقراطي» ميول علمانية قوية، وكلاهما يعارض تنظيم «داعش» وترجمته المتزمتة للإسلام.

واليوم يسيطر «حزب الاتحاد الديمقراطي» على ثلاثة معاقل كردية في شمال سوريا تحيطها جميعًا تركيا من الشمال و«داعش» من الجنوب، ولم تبد «داعش» أي ميل لتبادل الخدمات مع الأكراد.

وقال سونر إنه من المحتمل أن يكون مستقبل أكراد سوريا اليوم بين أيدي تركيا، فتركيا قادرة على السماح بعبور المزيد من المساعدات والإمدادات إلى الأكراد لدعم جبهاتهم الدفاعية ضد «داعش»، وإذا أحسن الأكراد السوريون التصرف قد يكون التعاون العسكري والأمني الكامل على الأبواب.

وتأتي محادثات السلام الجارية مع «حزب العمال الكردستاني»، ومن خلال هذه المفاوضات منحت تركيا حقوقًا إضافية للأكراد أتاحت لهم استخدام لغتهم الخاصة علنًا بعد أن كان ذلك يعتبر لفترة طويلة تهديدًا للقومية التركية.
وباتت اليوم اللغة الكردية واسعة الانتشار في الجامعات وحكومات المدن في جنوب شرق تركيا حيث يسيطر الأكراد. وفي الآونة الأخيرة، في 26 يونيو، أعلن أردوغان عن مجموعة إصلاحات جديدة تعِد بالعفو عن آلاف مقاتلي «حزب العمال الكردستاني» إذا ما اختتمتت المفاوضات مع «الحزب» بنجاح.

الجريدة الرسمية