رئيس التحرير
عصام كامل

قراء منسيون (1): الشيخ السعيد عبد الصمد الزناتي

الشيخ السعيد عبد
الشيخ السعيد عبد الصمد الزناتي

كما أن هناك منسيين في كل مجال سواء في عالم الفن والإبداع أو عالم البطولات التي لم يسجلها التاريخ هناك أيضا في مملكة "مزامير السماء أو ألحان السماء" كما أطلق عليهم الكاتب الصحفي "محمود السعدني في كتاب جمع فيه وأرخ لمجموعة من ألمع وأشهر القراء المصريين ولم يكن عبثا أو نوع من الشوفينية أو المجانية عندما قيل "نزل القرآن في مكة وقرئ في مصر" وبطلنا اليوم هو الشيخ "السعيد عبد الصمد الزناتي" الذي اشتهر بين القراء ومحبي سماع القرآن الكريم برائد مدرسة الحجاز وهو مقام موسيقي كان يجيد به رغم صعوبته، وتميز بأدائه بامتياز ولم تقف تلك الصعوبة عائقًا أمام اهتمامه وتميزه به وإجادته له، وكان حفظ والده للقرآن الكريم أثر طيب في الاهتمام بتحفيظ الطفل الموهوب كتاب الله.


ـــــ المولد والنشأة:

ولد الشيخ السعيد عبد الصمد الزناتي في قرية «القيطون» مركز ميت غمر محافظة الدقهلية في شهر أبريل عام 1927م في بيت بسيط متواضع وأسرة يحفظ عائلها القرآن الكريم وهو(الشيخ عبد الصمد الزناتى) ولد الطفل الموهوب (السعيد عبد الصمد) فتلقاه والده بحنان الأبوة «ونذره لحفظ كتاب الله» وظل يرقب نموه متمنيا من المولى عز وجل أن يحفظه بعنايته ويرعاه برعايته، وكان الأب يسابق الأيام بفكره وأمنياته تراوده آمال وأماني تجاه ولده، فدعا الله في عليائه أن يطيل في عمره حتى يرى ثمرة فؤاده وكفاحه تتجلى في أحد أبنائه وخاصة (السعيد) ليكون له زينة في الحياة الدنيا وقرة عين في الدار الآخرة، يقينا منه أن هذا لا يتحقق له إلا من خلال تلاوته للقرآن الكريم، وتعاقبت الأيام والشهور والأعوام ليرى الشيخ عبد الصمد ولده السعيد وهو في سن الرابعة ينطلق لسانه بالكلمات ويميز بعقله الأشياء ويلازمه أينما حل وحيثما كان، يجلس بجوار وهو يتلو القرآن متأملا كلام رب العالمين على لسان أبيه الذي اطمأن على ولده الشغوف إلى سماع هدى القرآن الكريم فسعد به كثيرا وبدأ معه بداية فيها رأفة ورحمة لقنه كلمات قرآنية من قصار سور القرآن ليختبر ذكاءه ويقف على موهبته برفق حتى لا يصعب عليه الموقف فتجاوب الابن مع أبيه وظهرت علامات النبوغ والموهبة بقدر لم يتوقعه الشيخ عبـــــــــــد الصمد الذي ظل على هذا النحو مع ابنه المطيع المحب للقرآن الكريم المنصت لسماعه عن طريق أبيه الذي قام بتدريبه على النطق السليم ومخارج الألفاظ والحروف.

ــــ الرحلة القرآنية:

ولما بلغ سن العاشرة من عمره أرسله والده وسلمه إلى شيخ كتاب القرية الشيخ «إبراهيم موسى» أحد علماء القرية العظام من حفظة ومحفظي القرآن الكريم الذي أولاه رعاية وعناية، واهتم به لما وجد لديه النبوغ وسرعة الحفظ فكان يعطيه في نهاية اليوم مساحة من الوقت ليعلمه كيفية قراءة القرآن بالتجويد حيث إن الموهبة ظهرت لديه وهو في سن السابعة وكان شيخه رحمه الله الشيخ إبراهيم موسى يتباهى به بين زملائه ويثنى عليه ليحفزهم ويرغبهم في الحفظ ومتابعة القرآن الكريم ومراجعته حتى لا يتفلت منهم ضاربا المثل الطيب بزميلهم السعـــــــــــــيد عبد الصمد الذي أتم حفظ القرآن الكريم كاملا قبل أن يبلغ سن الثانية عشرة وراجعه وتعلم أحكامه قبل أن يبلغ سن الثالثة عشرة من عمره، وكان لابد أن يضحى الفلاح البسيط صاحب الدخل المحدود الشيخ عبد الصمد الزناتي من أجل هذا الفتى القرآني الموهوب، فسأله شيخه إبراهيم موسى عن أحد العلماء المتخصصين المتقنين لأحكام التلاوة وعلوم القرآن وقراءاته فأشار عليه بأن يأخذ نجله السعيد ويعرضه على أحد أبرز العلماء في هذا المجال وهو فضيلة الشيخ (إبراهيم بكر) بقرية كفر أيوب مركز بلبيس بمحافظة الشرقية التي تبعد عن قرية القيطون بلدة الشيخ السعيد 50 كيلو مترًا، وظل الشيخ عبد الصمد يتردد على الشيخ إبراهيم بكر بصحبة نجله (السعيد) لمدة عامين حتى من الله عليه بدراسة علوم القرآن وقراءاته على يد الشيخ إبراهيم بكر أحد العلماء المشهود له بالكفاءة في علوم القرآن وقراءاته بمصر.

ـــــ بــــــــداية الشهرة:

ولأن الشيخ السعيد عبد الصمد الزناتى ولد بمحافظة الدقهلية وحفظ القرآن الكريم بها ثم درس علوم القرآن بمحافظة الشرقية «ثم انتقل بعد ذلك ليقيم بمحافظة القليوبية وبالتحديد في مدينة كفر شكر عام 1960 عرف كقارئ للقرآن الكريم بهذه المحافظات الثلاث وذلك قبل أن يبلغ الثلاثين من عمره، فانهالت عليه الدعوات من تلك المحافظات لإحياء المناسبات والسهرات الدينية كقارئ للقرآن الكريم ولأنه صاحب صوت مميز عذب حسن جميل ومتقن للقرآن الكريم حفظا وتجويدا وأحكاما وتلاوة بالقراءات كان يدعى في مناسبات تضم عمالقة من قراء الرعيل الأول بالإذاعة المصرية في الفترة من 1953 حتى التحاقه بالإذاعة عام 1960، وكانت فترة السبع سنوات تلك التي سبقت التحاقه بالإذاعة من أهم فترات مراحل حياة الشيخ الجليل لأنه أصبح أحد قراء القرآن الكريم الذين وصلوا إلى الشهرة ومكانه مرموقة بين عباقرة التلاوة وقراء القرآن بالوجه البحري، كالقارئ الفذ الشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ محمود على البنا والشيخ محمود خليل الحصري والقارئ العظيم الشيخ جـودة أبوالسعود الذي لم يلتحق بالإذاعة.

ـــــ مدرسة فريدة:

يعد القارئ الشيخ السعيد عبد الصمد الزناتى صاحب مدرسة متميزة فريدة لها لونها الخاص بها تخرج فيها أساتذة عباقرة وتفرعت عنها مدارس تمكن أصحابها أن يكونوا روادا لمدارسهم منهم من تخرج على يديه موهبون استطاعوا أن يحققوا شهرة ونجاحات على المستويين المحلى والدولي ففي الفترة من 1950حتى عام 1990 استطاع الشيخ السعيد عبد الصمد الزناتى أن يكون بمثابة شجرة تفرع عنها فروع امتدت إلى ربوع الدنيا كلها فأينعت وأثمرت فطاب ثمرها فكان خير ثمر تألق في سماء عالم التلاوة ففاح عبيرها وعبير عطرها الذي عبق في ربوع الكون كله بما يتلى من أطهر وأعظم وأحكم كلام وهو كلام رب العالمين على ألسنتهم شنف آذان المستمعين والسامعين لدرجة أن خريجي مدرسـته تبوأوا مكانة مرموقة وأصبحت أسماؤهم تتردد على ألسنة المستمعين في مصر وخارجها يذكرونهم برائد هذه المدرسة العريقة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء فيشهد هؤلاء السميعة لهم بالإجادة وحسن الصوت وجماله وقوة الأداء وإتقانه، والغريب أن ممن تأثروا به وبطريقته وصلوا إلى شهـرة لم تتحقق له وحقق لهم القرآن من نعم الدنيا يفوق ما حصله الشيخ السعيد عبد الصمد الزناتى بنســــــــــبة عالية فخلال الفترة من 1960 وحتى الآن صال وجال عشرات من قراء القرآن الكريم داخل الساحة الزناتية للتلاوة القرآنية ولكنهم أيضا درجات ومستويات تتفاوت من قارئ لآخر أما الذين تأثروا به في بداية حياتهم لما وقفوا على بداية طريق الشهرة والمجد انطلقوا بعبقريتهم واستطاعوا أن يكونوا على قمة مدارس عرفت بأسمائهم على سبيل المثال للحصر فضيلة العلم الفذ الشيخ محمد أحمد شبيب الذي ظهر كقارئ للقرآن الكريم في منطقة جنوب الدقهلية عام 195م أي بعد الشيخ السعيد عبد الصمد الزناتى بنحو خمس سنوات وهو قريب منه سنا.
ومن نوادره التي يرويها أنه أثناء تجوله في أقطار العالم وبالتحديد في دولتي إيران وباكستان عندما كان يميل في أدائه للشيخ الزناتى كانت الجماهير والحاضرون تعلو أصواتهم تهليلا وفرحا بهذا اللون المميز وعندما كان يقرأ بمقام الصبا يجد جميع الحاضرين يبكون من اللون الحزين فنال بذلك شهرة عالمية ومحلية لم يأخذها قارئ من جيله وأنجب قارئا واعدا هو الشيخ محمد الليثى وهناك العشرات من القراء الذين تأثروا بالشيخ الزناتى أقربهم لنفس الأداء والطريقة نجله الشــــــــــــــــيخ محمود الســــــــــعيد عبد الصمد الزناتى الذي استطاع أن يرتدى جبة وعباءة والده وأن يطوف بمستمعيه في عبق وجمال وفن هذه المدرسة وهو رائد مدرسة تخرج فيها العشرات من مشاهير القراء ولم تسجل له بالإذاعة نصف الساعة لتذاع له في البرنامج العام مع العلم أنه قرأ القرآن الكريم في المناسبات والحفلات الرسمية بالإذاعة على الهواء مباشرة كالأمسيات التي كانت تذاع على الهواء مباشرة على موجات إذاعة القرآن الكريم وصلاتي الفجر والجمعة على الهواء أيضا وكانت تذاع على موجات الإذاعات المصرية وكذلك غرة الشهور العربية رغم كل هذا لم نجد له تلاوات مدتها نصف ساعة '30 دقيقة ' بمكتبة الإذاعة مع العلم أنه قرأ في التليفزيون على الهواء مباشرة الجمعة وغرة الشهور وبحضور الرئيس الراحل محمد أنور السادات هو والشيخ الجليل العظيم الراحل مصطفى إسماعيل.

وترك الشيخ الزناتي تراثا من التسجيلات النادرة على أشرطة كاسيت تزيد على المائتين تلاوة من أفضل التلاوات التي تمتع السامع وتعيده إلى زمن العمالقة.

وفاته:
بعد رحلة عطاء في خدمة كتاب الله وفي اليوم الثامن من شهر مارس 1990 رحل عنا الشيخ السعيد عبد الصمد الزناتي.
الجريدة الرسمية