رئيس التحرير
عصام كامل

"تجارة النيات" رابحة دوما


فضل الله سبحانه وتعالى أزمنة على أخرى، فنجد أنه فضل شهر رمضان على سائر الشهور، واختصه بفضائل ومزايا كبيرة، فهو الشهر الذي أنزل فيه "القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان"، كما أنزلت فيه صحف إبراهيم عليه السلام، وأنزلت التوراة على موسى، وكذلك الإنجيل على المسيح عليه السلام.

فرض الله الصيام في "رمضان"، وجعله شهر التوبة والمغفرة، وتكفير الذنوب والسيئات، كما أنه شهر العتق من النار، وفيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب جهنم، وتصفد الشياطين، وهو شهر الصبر والدعاء المستجاب، وشهر الجود والإحسان، وعلينا أن نغتنم أيامه ولياليه، عسى أن نفوز برضوان الله.

ولعل من أجمل ما وصلني أخيرا، قصة رواها أحد علماء الدين حول "تجارة النيات" وفيها: أن أحد الحكام تجول في المدينة، فإذا به يجد بستانًا جميلًا لأحد الرعية. 
دخل الحاكم البستان يستكشف ما فيه، فوجد بنتا صغيرة تلهو.
سألها الحاكم: لمن هذا البستان؟ 
ردت: إنه ﻷ‌بي. 
فقال لها: أﻻ‌ يوجد شراب نتناوله؟!.
ذهبت الصغيرة قليلًا ثم عادت بإناء به عصير الرمان. تناوله الحاكم وأُعجب به.
سأل البنت: من أين أتيت بهذا العصير اللذيذ؟ 
قالت: أنه رمان زرعناه في البستان. 
قال: كم رمانة صنعت كل هذا العصير؟ 
أجابت: رمانة واحدة.
استغرب الحاكم.. وطلب منها أن تأتيه بإناء عصير ثان.

ذهبت البنت وأثناء غيابها قال الحاكم لنفسه: كيف تكون هذه السلالة المميزة من الفواكه في المدينة وﻻ‌ أكون صاحبها؟!... فكر قليلا وقرر: عندما أعود إلى القصر سآمر الجنود بضم هذا البستان إلى حدائقي... هنا عادت البنت ومعها عصير الرمان، قدمته إلى الحاكم فإذا به نصف الكمية ومذاقه لا يخلو من المرارة !!.

سأل الحاكم البنت: أهذا الرمان نفسه الذي أتيت به قبل قليل؟!
قالت: نعم، ومن الشجرة نفسها. 
استفسر الحاكم: كم رمانة استخدمت لصنع هذه الكمية؟ 
أجابت: خمس رمانات.

قال مندهشا: فما الذي حدث كي تقل كميته بهذا الشكل مع خمس رمانات، ثم يتغير طعمه إلى المرارة بعد أن كان حلو المذاق؟!
ردت البنت: الشجرة لم تتغير، لعل نية الحاكم هي التي تغيرت.
بهت الحاكم من الرد الفصل وانصرف صامتا دون تعقيب.

تفيد القصة بأنه على الإنسان ألا يفسد الأعمال الطيبة بنوايا سيئة، ولا يضمر الشر للآخر، فطيب النيات من الخلق القويم الذي يجب أن يتحلى به الإنسان، وقديمًا قالوا "تجارة النيات من تجارة العلماء".

فهل من راحة ونعيم أكثر من سلامة ونقاء الصدور؟.. إن النيات الطيبة تجعل صاحبها يعيش أيامه مرتاح البال، بينما من يضمر الشر يغلي قلبه حنقًا وحقدا على غيره، وتمر أيامه كئيبة ويضيق صدره بكل شيء.. لذا لا بد من الحرص على أن نكون من أصحاب النيات الطيبة لأنها تجارة رابحة.. وقد قال رسولنا الكريم "إنما الأعمال بالنيّات، ولكل امريئ ما نوى".. صدق رسول الله.

وما دمنا تحدثنا عن تجارة النيات، فلا يمكن أن نغفل أهمية "الضمير"، لأن غيابه لدى الكثيرين بات آفة تعاني مصر منها حاليا، ويبدو أن فئة من الشعب لا سيما الأجيال الواعدة، أعطت ضميرها غجازة، ورهنت نفسها للعمالة تارة والإرهاب تارة أخرى، والانسياق وراء مفاهيم الغرب المدمرة تارة ثالثة.

فاقدو الضمير يستسهلون العمل، هذا إن عملوا من الأساس، ويبحثون عن العائد الوفير بأقل جهد وفي أقصر وقت. بغض النظر عن الضرر والخراب الذي يعود على البلد من كهذا ممارسات وأعمال... علينا استغلال الشهر الفضيل في استعادة "الضمير" ثم العمل بما يعود بالخير على البلاد والعباد.

أخيرا "قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان"، قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: "هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد"». صدق رسول الله.
الجريدة الرسمية