رئيس التحرير
عصام كامل

المصريون القدماء أول من عرفوا نظام الشرطة.. باحث أثري: الشرطة ساهمت بشكل كبير في استقرار الدولة والأمن الداخلي في مصر القديمة.. الفراعنة اهتموا بسن القوانين وتحقيق العدالة

فيتو


القدماء المصريون هم أول من عرفوا نظام الشرطة في العالم القديم، وقد أقاموا في وادي النيل حضارة من أقدم حضارات العالم.

ولما كانت مصر هبة النيل، فقد استخدم المصريون القدماء النيل في التنقل، ولذلك كان لديهم شرطة نهرية لحراسة السفن وضمان سلامتها وركابها من اللصوص، وكان ذلك من أهم استتباب الأمن والاستقرار.


كما نجد أن المصري القديم اعتني بتأمين طرق الصحراء ودروبها، والقضاء على اللصوص وقطاع الطرق الذين كانوا يغيرون فيها على البعثاث التي كانت مهمتها استغلال المناجم، والمعاونة في تحصيل الضرائب ومراقبة الموازين والمكاييل في المعاملات فضلًا عن ذلك فكانوا يقومون بحراسة المقابر.

كما نجد أن العوامل الطبيعية والدينية والاجتماعية أثرها في استتاب الأمن وخاصة الوازع الديني لعقيدتهم وإيمانهم بأنهم سيحاسبون في الحياة الأخري على أعمالهم في الحياة الدنيا.

القوانين وتحقيق العدالة

وسن المصريون القدماء القوانين، وأسسوا النظم الكفيلة بتحقيق العدالة والاستقرار والأمن، ونري أن نظام الأمن قد نشأ منذ القدم، فمع وجود تجمع سكاني عند استمراره لابد من وجود الأمن حتى يستمر هذا التجمع، ولذلك نجد الأمن موجود منذ القدم في القبيلة والمقاطعة والمدينة والإقليم.

وأشار الباحث الأثرى أحمد عامر، أنه كان إقرار الأمن وتنفيذ النظم التي استحدثت وقد نضجت هذه النظم في النصف الأول من الدولة القديمة، وكانت هذه النواه مندمجة في النظام الإداري، وظلت كذلك إلى ما قبل الدولة الحديثة، كما كانت غير منفصلة عن الجيش حتى الأسرة الرابعة، وفي عهد الأسرة الخامسة فصلت الإدارة المدنية عن الإدارة الحربية فصلًا تامًا عن الإصلاح الذي قد أدخل، وكان يقوم بمهام الأمن بعض الإداريين أو رجال الشرطة أو القضاة أو الكهنة أو غيرهم ممن خطوا القضايا والإدارة في المقاطعة، وأصبح لهيئة الشرطة في عهد الدولة الحديثة كيان مستقل من أجهزة الدولة بما في ذلك الجهاز الإداري والجيش.

كان الوزير الرئيس الأعلي لجهاز الشرطة وكان عليه أن يشرف على حراسة الفرعون بكافة الوسائل المؤدية لهذا الغرض، وذلك علاوة
على مهامه الأخري في مختلف شئون الدولة.

كان قوام الأمن فرقًا من المصريين ولم تكن تضم جنودًا من المرتزقة، وكان رجال الشرطة يقيمون في مكان عملهم وكانت الجبانة الغربية بطيبه مركزًا لهم.

في عصر ما قبل الأسرات

نجد أن المصريين القدماء حرصوا في عصر ما قبل الأسرات على ضرورة حفظ الأمن في البلاد ثم شعروا بالحاجة إلى اختيار زعيم تتوافر فيه الصفات الأهلية للزعامة فنصبوه حاكمًا عليهم، من ثم تبعت الحاجه إلى من يقوم بتنفيذ تعليمات الحاكم وفض المنازعات بين الأفراد في الشئون الزراعية والصناعية وغيرها والعمل على استقرار الأمن، كما كان القدماء المصريون أول من اعتنوا بوضع نظام للأمن الداخلي.

في العصر الثيني

نشأت الحضارة المصرية في هذا الوقت على أكتاف الملكية فقد كانت السلطة للملك خلالها مطلقة، وكان يعاون الملك خلالها موظفون كانت لهم اختصاصات وواجبات محدده في ذلك العهد، وكانت الحكومة في ذلك الوقت "موحدة" يتبعها مكتب خاص حفظت فيه المستندات الرسمية، مما ساعد على كتابة أنباء ملوك ذلك العهد على حجر بالرمو في عهد الأسرة الخامسة.

في الدولة القديمة

في النصف الأول من هذه الدولة استمرت الهيئة الكبري للملوك وقداستهم وزاد سلطان الحكومة من قوة عما كان عليه في العهد الثيني بالحكومة المركزية تحت إشراف الوزير مما أدي إلى الإزدهار والرخاء والأمن في ربوع البلاد.

ثم أخذ نفوذ الملك يتقلص حيث أخذت مركزية الحكم تضحمل تدريجيًا بانتقال السلطان والنفوذ من حكومة مستقرة لأيدي حكام المقاطعات في حكومات محلية حتى تفتت وحدة البلاد باستقلال هؤلاء الحكام بأقاليمهم في كافة الشئون، وكان لذلك أثره السلبي في حالة الأمن واختلاله.

في فترة الانتقال الأول

استمر الانهيار في هذا العصر وإزداد الملك ضعفًا، وضاعت هيبة الملك مما أدي إلى زيادة قوة حكام الأقاليم، كما استشري الفساد، فكان لذلك أثره السلبي في حالة الأمن.

في الدولة الوسطي

بدأ عهد هذه الدولة ببذل الجهود لإعادة تنظيم البلاد، وقد جاهد أغلب الملوك العظام للدولة الوسطي حتى تمكنوا من استرداد الكثير من هيبتهم وتأمين الحدود وإصلاح الشئون الداخلية والخارجية بمعاونة كبار الموظفين في مختلف الإدارات الحكومية فاستمتع الشعب من خلال هذا العهد بقدر كبير من الهدوء والرخاء، والأمن وبذلك أصبحت الدول المجاورة تهاب مصر وتخشاها.

في عصر الانتقال الثاني

انهارت السلطة المركزية للدولة انهيارًا كبيرًا، ولم تعد للبلاد حكومة واحدة تحكم مصر شمالًا وجنوبًا، وبعد ذلك جاء الهكسوس واحتلوا مصر.

في عهد الدولة الحديثة

تأثرت نواحي الحياة في هذا العصر السعيد عصر الإمبراطورية المصرية، فإتسع نطاق سلطان الملوك بضم كثير من الولايات إلى مصر أثر الانتصارات الباهرة المتتابعة بجيوشها الظافرة والقيادة الحكيمة لغالبية ملوكها، وكان لاستتباب الأمن واستقرار الحكم في أرجاء البلاد أثر واضح في هذه الانتصارات.

وأكد عامر أن الشرطة في مصر القديمة كانت على قدر كبير من التنظيم والتقسيم فنجد أن رجال الشرطة كانوا يستخدمون لحفظ الأمن وتنفيذ القانون وكان تقسيم الشرطة كالآتي فنجد رئيس الشرطة وكان ينتخب من الشخصيات المعروفة واسعة الأفق والخلق الحسن، ومن الضباط الحاملين لـ "رتبة العلم" في حرس الملك، وكانت وظيفته في مرتبة فارس، ولأهمية هذه الوظيفة كانوا يسندونها إلى شخصيات كبيرة محل ثقة الفرعون فنجد على سبيل المثال الملك سيتي الأول قبل توليه العرش كان يحمل لقب "رئيس المازوي" أي "رئيس الصحراء"، وفي العصر الثيني والدولة القديمة كانت الشرطة جزءًا من النظام الإداري، ولقد شغل بعض الكهنة وظيفة رئيس الشرطة في عهد الملك سيتي الأول وأيضًا في عهد الملك رمسيس الثاني.

أقسام الشرطة

وذكر الباحث أن وظائف الشرطة كانت مقسمة إلى شرطة المعابد والمقابر وكان يعين للمعابد والمقابر حراسًا، فنجد حراس المعابد كان من اختصاصهم حفظ النظام داخل المعابد وصيانة مبانيها وممتلكاتها في خارجها، أما بالنسبة للمقابر فكان يعين حراسًا لها نظرًا لما فيها من نفائس ووذخائر، كما نجد شرطة العمال ونظرًا لاستقرار الأمن في الكثير من العصور الفرعونية ساعد ذلك على إبداع الفنانين وإظهار مهاراتهم ويشهد على ذلك ما تركوه لنا من آثار خالدة، وأيضا كانت توجد شرطة حراسة القوافل النهرية وكان ذلك ناتج عن وجود نهر النيل وأنه يستخدم وسيلة للمواصلات فكان لابد من تواجد مثل هذا النوع من الشرطة لحماية السفن والقوافل التجارية التي تمر من خلاله، كما كان يوجد الشرطة المحلية وكان دورها أن تقوم بحفظ الأمن في المدن الكبري مثل طيبة وقفط وتل العمارنة وكذلك في الصحراء وكانت تؤدي دوريات منظمة للمرور على الطريق لتفتشيها وتعقب المجرمين خصوصًا المحكوم عليهم والهاربين في الصحراء، كما كان يوجد أيضًا ما عرف باسم الشرطة في الصحراء والحدود وكان يراعي في اختيار رجال الشرطة في الصحراء والحدود أن يكونوا على علم ودراية وذو خبرة بطرق الصحراء ومسالكها، وكان يوجد نوع خاص من الشرطة وهي الحرس الملكي والشرطة الخاصة وكان هذا النوع من الشرطة خاص بالملك لضمان سلامته وولاء الشعب له، كمان كان يوجد شرطة الخدمات العامة فنجد بالإضافة لما سبق كان تمتد خدماتهم إلى أنواع أخرى من الخدمات مثل معاونة رؤساء المراكز والمستشارين ومأموري الضرائب المفروضة بالإضافة إلى جمع المجندين وفرزوهم، وكان يوجد شرطة المكاييل وضبط الموازين والأوزران والمخابر وذلك بغرض منع الغش، ونجد أن تسليح الشرطة وتموينهم كان بمختلف الأسلحة منها الدروع والحراب والنشاب والسهام، وكانت ثكنات ضباط ورجال الشرطة على مختلف رتبهم في مقر عملهم، وكانت علامات الشرطة المميزه في طيبة الغربية "غزالة" وفي تل العمارنة "ريشة درع مستطيل مرسوم عليه" فرعون يضرب عدوا"، كما كان يوجد شرطة المناجم والمحاجز حيث كان الملوك يرسلون بعثات لاستغلال المناجم والمحاجز فكان لابد من تأمين الدروب والطرق المؤدية إليها.

منع وقوع الجريمة

وذكر عامر أنه كان للشرطة دور هام في حفظ الأمن فكان من أهم واجبات الشرطة "العمل على منع وقوع الجريمة" بكافة الوسائل الميسورة، وكان من أهم أدوار الحكومة توفير الأمن للشعب لكي يعيش في طمأنينة تامة، فاتخذ في هذا السبيل ما يلزم لحسن اختيار النواه الأولى لإداء هذه المهمة وكانت مصر القديمة أول من أنشًا ما يعرف باسم " البحث الجنائي " ومن ذلك تقسيم المجرمين طبقًا لتخصيص كل فئة منهم في نوع معين من الجرائم، ووسائل ارتكابها لها وإثبات أسمائهم في سجلات مخصصه للرجوع إليها عند اللزوم، وومما يثير الدهشة والإعجاب أن عنايتهم بحفظ السجلات قد بلغ شأنًا بعيد في الدقة والنظام فنجد أن الجداول التي ظهرت في بردية "إبوت" تحتوي على قائمتين الأولى تشتمل على أسماء لصوص صناديق النفائس والثانية تشتمل على أسماء لصوص الجبانات، وكان من العوامل الهامة لكشف الجرائم أن رجال الشرطة في مصر القديمة كانوا يستعينون بالمرشدين وقصاصي الأثر والكلاب التي كان لها دور في الحراسة واقتفاء أثر المجرمين، كمان كان يوجد "سرقات المقابر"، ففي الدولة سرقت مقبرة الملكة "حتب حرس" والدة الملك "خوفو"، واستمرت السرقة في عصر الثورة الاجتماعية الأولى حيث نهب الثوار قبور الملوك والأمراء وكبار رجال الدولة، بل لم يقتصر الأمر على ذلك فقد انتشر حيث كان بعض الملوك يأخذون الأحجار من بعض المعابد والمقابر ليقيسوا آثارهم الخاصة بها.
الجريدة الرسمية