رئيس التحرير
عصام كامل

ما أحوجنا إلى ثورة أخلاقية!


حاجتنا إلى استعادة الأخلاق القويمة لا تقل أبدًا عن حاجتنا للعيش والحرية والعدالة الاجتماعية؛ فتعاليم الدين وجوهره الحنيف يرتكزان إلى الأخلاق، ويحتاجان لمجتمع ضمير يقر بالذنب، ويبادر إلى التغيير وإصلاح النفس من منطلق إيماني شفاف.

الأخلاق أعظم أركان الفلسفة؛ باعتبارها ركيزة قيم الحق والخير والجمال، ومن دون الأخلاق تصبح المجتمعات البشرية غابات حيوانية لا فرق بينها وبين الكائنات البهيمية التي تعيش لإشباع الحاجات والغرائز بشتى الطرق.

وما أظن تخلفنا عن ركب التطور إلا بسبب تخلينا عن دورنا الحضاري المتميز، الذي نقل مجتمعات البداوة إلى مصاف الحضارات الكبرى والأمم العظمى التي سادت العالم بما أدته من أدوار تاريخية في الحفاظ على القيم الإنسانية بالعلم والأخلاق والتمدين.

ولست أشك أن ثورة يناير ما ضلت طريقها للتغيير، وما تعرضت للسرقة من جانب تيارات بعينها إلا لأنها ركزت بالأساس على مطالب اجتماعية وسياسية دون أن تتخذ لها ظهيرًا أخلاقيًا، يحفظها من سلوكيات طفحت انتهازية وانحطاطًا وتدنيًا رهيبًا في القيم الاجتماعية التي كانت أهم ما يميز مجتمعات الشرق المتدين بفطرته، الحاضن للأديان ورسالات السماء بحكم موقعه.

وجود الضمير الأخلاقي في المجتمع يحول بين الفاسدين وفسادهم واللصوص وسرقاتهم والطغاة واستبدادهم والمتاجرين بالدين وخداعهم للبسطاء وتضليلهم للوعي والإرادة.

لقد خرّجت ثورة يناير العظيمة أحسن ما عندنا، تلك الطاقة الجبارة والقدرة الخلاقة على التغيير السلمي لمجرى السياسة وإزاحة الاستبداد وامتلاك زمام الأمور وناصيتها.. لكنها في المقابل أفرزت سلوكيات لا علاقة لها بالثورات الهادفة لرفع الظلم وإقرار العدل والحرية والكرامة.. أفرزت حالة احتجاج انتهازية تطلب المزايا دون أن تقدم ما يوازيها من جهد، تطلب الحقوق وتهمل الواجبات، تهدم كل شيء بدعوى التغيير حتى لو قاد هذا التغيير لاهتزازات في منظومة القيم واختلالات في نسق الأخلاق والمثل العليا.

ما أحوجنا في هذا الشهر الكريم إلى إعادة النظر في تصرفاتنا وسلوكياتنا.. وإصلاح كل ما هو "معوج" فينا!.. "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا"... وكل عام وأنتم بخير بمناسبة شهر رمضان الكريم.
الجريدة الرسمية