رئيس التحرير
عصام كامل

وسيم السيسي يروى أسرار الثورة الأولى في تاريخ المصريين

الدكتور وسيم السيسي
الدكتور وسيم السيسي

«الأرض لمن زرعها.. والحرفة لمن احترفها.. ليس للسماء وصاية على الأرض؛ لأنه ليس هناك إله».. هذه الكلمات نقلت من أقدم المنشورات والشعارات في العالم القديم والتي نقشها الفراعنة على إحدى لويحات الأوستراكا، والتي استخدمها قدماء المصريين للتحريض على الثورة للمرة الأولى في التاريخ، كما يقول عالم المصريات الدكتور وسيم السيسي لـ"فيتو"، مشددا على أن المصريين لم يعرفوا الخنوع أو الخضوع يومًا، فعلى مر العصور وتاريخ مصر صاحبة حضارة السبعة آلاف عام، كان المصريون أصحاب أول ثورة في تاريخ البشرية، كما شهد التاريخ المصري العديد من الثورات الاجتماعية والشعبية ضد الغزاة المتعاقبين على البلاد وكذلك على الحكام الظالمين.


> عصر الاضمحلال الأول
قامت الثورة الأولى في التاريخ بمصر القديمة عام 2280ق.م، بعد نهاية الأسرة السادسة، وأطلق عليها الفراعنة ثورة الرعاع، وقامت الثورة ضد الملك «بيبى الثاني» والذي حكم البلاد لمدة 94 عامًا، بحسب السيسي، الذي يؤكد أن فترة حكمه شهدت اضطرابات وقلاقل، فانهار نظام الحكم المركزي، وأطلق كل من استطاع اسم «فرعون» على نفسه، نتيجة لانخفاض درجات الحرارة في هذا العصر، وتراجع مستوى الأمطار الموسمية، وبالتالي انخفض مستوى فيضان النيل والذي تتابع لعقدين أو ثلاثة في آخر حكم "بيبى الثاني"، ويظهر ذلك في انخفاض مستوى المياه في بحيرة منخفض الفيوم، مما أدى إلى مجاعة هائلة، وكان كل حاكم من حكام المقاطعات الوراثين في الوجه القبلي منهمكًا في المحافظة على مقاطعته التي تعد بمثابة مملكة صغيرة مستقلة ضد المجاعة، أما في الوجه البحري فكان القوم ملتفين حول الملك، حيث مقر حكمه، وكانت الضرائب في مصر تحدد سنويًا على أساس مستوى الفيضان، ومقدار ما يمكن للفلاح زراعته لا على ما يزرعه فعلا، وربما كان ارتفاع الضرائب في ظل انخفاض المحاصيل هو الشرارة الأولى التي أدت إلى أول ثورة اجتماعية سجلها التاريخ.

خرج الثوار الفراعنة منادين بالمساواة، كما يروى خبير المصريات، فليس هناك حاكم ومحكومون، الجميع سواء والجميع أحرار، وليست هناك محاكم أو سجون؛ لأن القوانين والأحكام ضد الحرية وليس هناك تشريعات تقيد الناس بالسماء لأن الإله لا وجود له، ومنذ هذا المنطلق وضع المصريون أول مبادئ الشيوعية على وجه الأرض.

بدأت الثورة بهجوم الجياع على مخازن الحكومة فقتلوا حراسها واستولوا على ما كان بها ونهبوا الأسواق والتجار واستولوا على المساكن ونهبوا محتوياتها واعتدوا على السكان وطردوا الموظفين من دواوين الحكومة، كما يقول السيسي، مضيفا: كما استولى الفلاحون على محاصيل الأراضي وثمار البساتين واستولى قطاع الطريق على المواشي الموجودة بالقرى والدواب الموجودة بالمدن والطرقات، وقد فتحت أبواب السجون ليخرج اللصوص والمجرمون للاشتراك في الثورة، وأغلقت المحاكم بعدما طردوا القضاة، وكذلك المعابد وشتت الكهنة، واعتقل العلماء والمثقفون وسارت البلاد بخطوات واسعة نحو التفكك والانحلال،حينها، وجد البدو والليبيون الفرصة مواتية لنشر الذعر بين المصريين في منطقة الدلتا، أما مناطق الصعيد فقد انقسمت إلى ولايات استقلت عن بعضها البعض، وتحولت إلى نوع من الإقطاع، حاول كل منهم الانقضاض على الأقاليم والولايات المجاورة ليضمها إلى ولايته، فسادت الفوضى وفلت الزمام من أيدي قادة الثورة نفسها.

«مصر حكمها 70 حاكمًا لمدة 70 يومًا».. بهذه الكلمات وصف الحكيم أبيور الثورة وأحداثها في برديته التي تعتبر من أدق سجلات تاريخ هذه الثورة وأطلق عليهم في قوائمه "الأسرة السابعة"، كما يروى خبير المصريات.

> الثورة على الهكسوس
لم يكذب الهكسوس خبرًا ودخلوا مصر في نهاية حكم ملوك الأسرة الـ14، وهم مجموعات أتت من الشرق وشيدوا عاصمتهم في شرق الدلتا في أوراريس ولم يكن لهم سيطرة على جنوب البلاد.
عاث الهكسوس في البلاد فسادًا وظلمًا، وفرضوا على المصريين ضرائب باهظة واغتالوا الأمن والأمان، وكان أمراء الجنوب يرسلون لهم الجزية إلى أن جاء «سكنن رع» في أيام الأسرة الـ17، وقاد ثورة عظيمة ضد الهكسوس وبعد اغتياله في إحدى معارك الشرف يستكمل "أحمس الأول" رحلة الكفاح، بحسب السيسي الذي أوضح أن "أحمس" خاض معركته ضد الهكسوس منذ عهد الملك سقنن رع في أيام الأسرة الـ17، وقاد ثورة عظيمة ضد الهكسوس، حتى تم اغتياله في إحدى المعارك، وتبعه ابنه "كامس" في معاركه ضد الهكسوس ولعله قتل هو الآخر في المعركة، ولكنه ترك (أخت أتم) الرسالة على أكمل وجه وهو أحمس أول ملوك الأسرة الـ18، ومكث الهكسوس في شمال مصر نحو قرن ونصف القرن من الزمان إلى أن تم طردهم على أيدي حكام الجنوب الذين تمكنوا من إقامة جيش قوي ومحاربتهم وطردهم وحطموا كل ما يمت لهم بصلة حتى يتم محو ذكراهم من النفوس ولا يبقى لهم ذكرى.

وفي عهد الأسرة الـ20، غزت القبائل القادمة من الشرق، والقبائل حليفتها التي كانت قادمة من الغرب، أرض الدلتا واستقرت فيها مدة من الزمن ولكن السكان ثاروا عليهم، وتم إجلاؤهم عن مصر إلى الشرق والغرب، في أواخر القرن الـ12 قبل الميلاد، وكانت هذه الثورة الثانية صورة مصغرة للثورة الأولى على الهكسوس، بحسب السيسي.

> الثورة على الإثيوبيين والآشوريين
ويضيف خبير المصريات أن مصر شهدت في القرنين السابع والسادس قبل الميلاد، عددًا من الحوادث التي لم يذكر التاريخ مثيلًا لها في بلد آخر، فقد غزا الإثيوبيون الوجه القبلي وغزا الأشوريون الوجه البحري، وأخذ هؤلاء وأولئك يتقاتلون على أرض مصر ووقف الشعب المصري يراقب الموقف حتى ضعف الفريقان، فانقض المصريون على الإثيوبيين وعلى الآشوريين معًا، وطردوهم من بلادهم، وعادت لمصر سيادتها في عهد بسماتيك الأول «650-610 قبل الميلاد».

> الثورة على الفرس
تدفقت جحافل الفرس على مصر فاحتلتها وضمها قمبيز إلى إمبراطوريته سنة 525 قبل الميلاد، وظلت مصر خاضعة لحكم الفرس حتى سنة 331 أي نحو 200 عام، وسمى المصريون القدماء عهد الحكم الفارسى «عهد الويلات»، وعمدوا إلى الثورة أكثر من مرة لخلع ذلك العدو الثقيل، وتحالفت معهم الشعوب المجاورة التي غزاها الفرس أو أرهقوها، كالليبيين والفينيقيين والإغريق وغيرهم وتم النصر للمصريين في النهاية فطردوا الفرس ووحدوا دولتهم نتيجة لثوراتهم المتواصلة.
الجريدة الرسمية