متى يختفي الإخوان من على وجه الأرض؟
الحقيقة المؤسفة لخصوم الإخوان أن هذا لن يحدث. فلم يحدث أن تم القضاء على أفكار أو أيديولوجيات بشكل حاسم ونهائي. ثم إن الإخوان كتنظيم وفكر دخل معارك على امتداد أكثر من 80 عامًا ولم يختف من الوجود. فعلها الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر بأقسى ما يستطيع من قسوة ولم يقض عليهم. وبعد فترة تصالح مع السادات، دخلوا في صدام معه. ومن بعده مبارك الذي كان "يلاعبهم ويلاعبوه"، شد وجذب، سماح ومنع، سجن وحرية. ولم ينتهوا واستمروا.
هذا الاستمرار لا يعني أبدًا أن كل أفكارهم صحيحة، ولا يعني أيضًا أنهم أقوى من كل هذه الأنظمة، لكنه يعني بالأساس أنه من المستحيل القضاء على أية أفكار بالقمع والاستبداد. ويعني أن من يروجون أنه لا عودة للإخوان، يحتاجون إلى إعادة النظر في رأيهم. وأظن أيضًا أن من يقول إن الإخوان انتهوا كتنظيم، يحتاجون إلى إعادة االنظر. فهذا غير صحيح.
الأمر لا يخص الإخوان وحدهم. ففي العالم الآن شيوعيون، رغم أن الشيوعية كنظام حكم فشلت وانتهت من العالم. والمتطرفون من كل الأديان والمعتقدات لم يختفوا من العالم. مازالوا موجودين. قد يحدث فترات كمون، تراجع، أما اختفاء كامل، فأظن أن هذا لم يحدث. بل ودعني أقول لك أن الأفكار التي دمرت العالم، ما زال هناك من يؤمنون بها. على سبيل المثال، عنصرية هتلر، وتحيزه العنصري للجنس الجرماني، كلف العالم ملايين من القتلى وأصيب العالم بدمار مهول. ومع ذلك فستجد من يؤمنون بها. هذا موجود في كل شعوب الدنيا وليس الألمان فقط.
لذلك أظن أننا بحاجة للانطلاق من أن الإخوان والكثير من مناصريهم الإسلاميين، لن يختفوا من على أرض مصر، ولن يختفوا من على وجه الأرض.
فماذا نفعل؟
أظن أننا بحاجة لأن نذاكر جيدًا ما فعلته المجتمعات الديمقراطية، تجاه التنظيمات السرية العقائدية، دينية أو غير دينية. مثلما فعلت بريطانيا مع الجيش الأيرلندي الذي كان يحمل السلاح. ومثلما تفعل الكثير من المجتمعات الديمقراطية مع هذه التنظيمات في أمريكا والغرب بشكل عام. بل وكثيرًا من الديمقراطيات الناشئة في أمريكا اللاتينية. لا أقصد فقط التنظيمات العنيفة، ولكن أيضًا العقائدية التي لا تحمل السلاح. بل ومن المهم الاستفادة من تجربة إسرائيل مع الإخوان والإسلاميين الذين يعيشون على أرضها. فليس عيبًا أن نستفيد من أي من كان.
إلى حين أن نذاكر جميعًا وأنا أولكم، أظن أننا نحتاج إلى:
•التمسك بأنه لا تنظيمات سرية لأي فئة أو تيار في المجتمع. أي لا تراجع عن من يريد العمل العام، فلابد أن يكون نشاطه علنيا.
•لا يجب السماح بأن تكون هناك أحزاب أو عمل سياسي مخلوط بالدين. وعدم السماح لمؤسسات دينية مثل الكنيسة أو الأزهر بممارسة السياسة أو غيرهما. من الممكن أن تكون المرجعية دينية. مثل الأحزاب المسيحية في الغرب. لكنك لن تجد من بين هذه الأحزاب من من يحرم ويحلل نشاط سياسي. ولن تجد رجل دين مسيحيا يحرم ويحلل نشاطا عاما أو سياسيا. فهذا مرفوض بالقطع.
لكن على الجانب الآخر لابد من فتح باب الرحمة وهذه مسئولية من يحكمون الآن.
•التوقف الفوري عن مطاردة من لم يتورط في جرائم عنف. والتطبيق العادل للقانون على الجميع، دون تعسف أو التفاف أو تلفيق. وأتمنى الإفراج الفوري عن كل من لم يثبت تورطه بالأدلة القاطعة في جرائم عنف.
•إعادة النظر في الأحزاب الدينية القائمة، ومنها حزب النور. فليس معقولًا مطاردة الإخوان، وترك بعض السلفيين لأنهم كانوا حلفاء في 30 يونيو. أقصد تطبيق ذات المعايير على الجميع.
•إلغاء القرار الإداري بإغلاق القنوات والصحف المحسوبة على الإخوان والإسلاميين. ويكون الفيصل بيننا وبين أي مخالفات هو القانون. أي الرفض القاطع للإغلاق. وفي ذات الوقت تطبيق القانون على من يخالف في هذه القنوات وهذه الصحف. وتطبيق القانون أيضًا على وسائل الصحافة والإعلام المسموح بها، ففيها من يحرض بالقتل، وفيها من يرتكب ذات الجرائم التي ارتكبها كثيرًا ممكن كانوا يعملون بالقنوات التي تم إغلاقها.
•إطلاق حرية الرأي والتعبير والتنظيم دون أية قيود للجميع طبقًا للدستور. ووقف حملات التحريض والكراهية من الجميع ضد الجميع.
•محاسبة أي مخطئ من رجال الداخلية بالقانون، سواءً كانت الانتهاكات ضد الإخوان أو غيرهم. فلا يجب أن يكون دم مصريين مباحا لأنهم إسلاميون أو لأنهم خصوم سياسيون.
أظن أننا لو فعلنا، فسوف نقلل الاحتقان، ونضع أسسا قوية لمستقبل لنا جميعًا، فليست هناك أية بطولة في أن تزيد مساحة أعدائك وتقلل من حلفائك.