رئيس التحرير
عصام كامل

هل كنا نتصور أن يتحرش الأب جنسيًا بابنته.. ماذا حدث!؟


لسنا نبالغ إذا قلنا إن التحرش الجنسي ظاهرة عالمية.. وثمة دراسات علمية تثبت انتشارها في دول كثيرة، دون أن تربطها بمدى تقدم هذه الدول أو تخلفها.. لكن ما ليس مقبولًا أن تتفاقم هذه المأساة في مجتمعات عربية مسلمة مثل السعودية ومصر رغم ما يدعو إليه ديننا الحنيف من وجوب غض البصر عن المحارم لمنع مثل هذه الجرائم من المنبع..!!

لقد بلغ التحرش ذروته في الآونة الأخيرة، وهو ما بعث برسائل عديدة ينبغي الالتفاف إليها، فلم يتوقف التحرش عند حدود الشارع والميادين ووسائل المواصلات العامة لكنه تسلل إلى الحرم الجامعي قدس الأقداس، وهي كارثة أخلاقية بكل المقاييس، فطلبة العلم هم شريحة يفترض أنها الأكثر وعيًا وتدينًا بحكم ما يتلقونه من علوم تخاطب العقل وتسمو بالروح وتهذب الخلق والوجدان ثم إنهم لم يتخرجوا بعد، ولم ينضموا لطابور العاطلين، ولا حرموا من مقومات الزواج فما مبررات هذا السلوك المشين؟!

لقد أصاب الانفلات كل شيء في مصر في السنوات الأخيرة، حتى كاد يدمر روابط الأسرة المصرية ويضربها في الصميم ثم ها هو يزحف إلى الجامعة.. فهل كنا نتخيل أن يصل الأمر إلى أن يتحرش طلاب بزميلة لهم مهما يكن لباسها مثيرا.. وهل كنا نتصور أن يتحرش الأب جنسيًا بابنته أو الخال بابنة أخته، أو يصل إلى أقسام الشرطة والمحاكم جرائم جنسية أبطالها من أفراد الأسرة الواحدة..؟!

صحيح أن الدولة تنبهت لخطورة القضية.. واعتبرت التحرش جريمة مغلظة العقوبة، ووضعت تعريفًا محددًا للمتحرش بأنه "كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص عن طريق التتبع أو الملاحقة سواء بالإشارة أو القول أو من خلال وسائل الاتصال الحديثة أو أي صورة أخرى تتضمن إيحاءات أو إشارات جنسية".. كما انتفض المجلس القومي للمرأة ليعد قانونًا متكاملًا يتصدى للعنف أو التمييز ضد المرأة، بما فيه التحرش.. لكن هل يكفي ذلك؟!

صحيح أن "من أمن العقوبة أساء الأدب"..لكن هل تكفي التشريعات والعقوبات لردع المخالفين..أم أن آخر الدواء الكي..؟!
من الأولى بحث الظاهرة علميًا بجدية.. فهل أدت المدرسة دورها.. وهل أثمر التعليم ثمرته المرجوة في الوعي والفكر والسلوك والإنتاج.. وهل قامت الأسرة بدورها في رعاية أبنائها، وحسن تنشئتهم وزرع القيم والأخلاق فيهم.. وهل أكملت الدولة المنظومة بتوفير فرص العمل والمسكن والحياة الكريمة للشباب لحمايتهم من الفراغ والانحراف الجنسي..أم أن ثمة حلقات لا تزال مفقودة ؟!

فلا التعليم أنتج أجيالًا واعية مبدعة قادرة على المنافسة، بل صار عملية تراكمية ترمي بآلاف الخريجين سنويًا إلى الشارع دون أن تمدهم بأدوات العصر وأسلحته فوقعوا في براثن الفراغ والفشل..!!

أما الأسرة فقد تفككت بسبب انشغال الأبوين بتلبية احتياجات الأبناء المتزايدة، وصار الوالدان ترسًا يدور بلا رحمة في آلة لا تشبع، ولم يعد لدى الآباء وقت لتهذيب الأبناء سلوكيًا ودينيًا حتى فقد الأبناء القدوة، وتكونت لديهم عادات خاطئة قائمة على الاستهلاك النهم لملذات الحياة.. وصاروا ضحايا للعصر وخطايا أولى الأمر..!!

وكما أصاب التجريف كل شىء في مصر، فقد أصاب مخزون القيم الأخلاقية، وضاعت القدوة في زحام الحياة، وتُرك الأطفال والشباب للشاشات والفضاء الإلكتروني يغرس فيهم ما يشاء دون رقيب ولا حسيب في ظل غياب ملموس لدور المسجد والكنيسة والأندية ومراكز الشباب.. وأخيرًا ابحثوا عن حلول عاجلة.. وهذه مهمة حكومة محلب.
الجريدة الرسمية