رئيس التحرير
عصام كامل

لكى نُشفى لابد أن نصرخ ألمًا


دعيت لحضور مؤتمر بعنوان "حماية المستهلك في الوطن العربى – تحديات ورؤى مستقبلية" الذي أقيم بفندق سيتى ستار إنتركونتينتال بالقاهرة خلال يومي 16- 17 من الشهر الحالى، وعرض المحاضرون في فعاليات المؤتمر موضوع الإعلانات المضللة في الفضائيات وتأثيرها السلبى على المستهلك وعلى أنه ليس هناك أي معايير لعرض الإعلان على الشاشة غير مقدرة المعلن على دفع قيمة الإعلان، ويقع المواطن ضحية وأحيانًا يدفع حياته ثمنًا لتصديقه لبعض مايعرض على الشاشة؛ وعلى سبيل المثال الدعاية للعلاج بالأعشاب وبعض الأدوية الجنسية الخطيرة.


وكان هناك من المحاضرون جنسيات عديدة من عمان والأردن والسعودية وكوريا وأستراليا وأمريكا، وعرضت كل دولة تجاربها في مجال حماية المستهلك في كل المجالات.

وكان من بين الممثلين عن الجانب المصرى رئيس هيئة الصادرات والواردات الذي عرض أهم الأجهزة التي تستخدمها الدولة لكشف الميكروبات المرضية في العبوات المصدرة للخارج والواردة، وتكلم وكأن مصر من ضمن كل هذه الدول الكبرى مثل أمريكا وأستراليا وكوريا، مع نشاطها الواضح في مجال حماية المستهلك أوضح سيادته وكأن مصر لايمكن أن يدخلها ما يؤثر على صحة المواطن؛ الشىء الذي جعلنى أطلب المداخلة وتكلمت عن هذه الأجهزة التي يستند إليها بأن أبسط شىء لايتم فحصه هي التجارب التكسوكولوجية (السمية)، وفحص المواد المسببة للأمراض السرطانية (الكارثينوجينك) ولأن ببساطة الدراسات في هذه الأبحاث تأخذ مدة طويلة تصل إلى ثلاث سنوات، وأن معظم البضائع الغذائية ولعب الأطفال لا يأتى معها ملف به أبحاث من هذا القبيل تمت في بلد المنشأ تثبت خلوها من أي مادة تسبب السرطان، وحتى لو أتى معها هذا الملف لابد من إعادة فحصها للتأكد، وأنه لابد أن يكون هناك بروتوكولات بين الدول المصدرة والدول المستوردة لمعايير جودة متفق عليها، ولكن مايحدث أن المستورد يتفق على البضاعة، ولا تستغرق مدة دخولها إلى طرحها في الأسواق شهرًا على أقصى تقدير، فكل ما يجرى في الجمارك تجارب بسيطة مبدئية.

وتكلم بعض الحاضرين عن حماية المستهلك من ناحية الغذاء المصدر للخارج، وذكروا المناطق الزراعية الخالية من العفن البنى في البطاطس (free zone area) وهى مناطق خالية من الآفات اختارتها الدول الأوربية وأمريكا بعناية؛ من أجل استيراد ليس فقط البطاطس ولكن جميع الحاصلات الزراعية، وهذا أيضًا استفز مشاعرى وجعلنى أطلب المداخلة.

قلت: أيها المحاضرون، عن أي مستهلك تتحدثون؟ حسبتكم ستتحدثون عن المواطن البسيط الذي أنا ومعظم الحضور منهم، ياسادة، إن البلاد المستوردة للحاصلات الزراعية وهى سلاسل سوبر ماركت معروفة في جميع دول أوربا وأمريكا وهم يتعاقدون مع مزارع معينة، هذه المزارع تزرع أصنافًا معينة للتصدير تناسب الذوق الأوربى والأمريكى ومتفق عليها مسبقًا، وهذه الدول تقدم لهذه المَزارع قائمة بالمواد غير المسموح معاملة النبات بها، وكذلك بالنسب المسموح بها من متبقيات المبيدات والأسمدة التي تكون تحت الحد المسموح به عالميًا والذي لايؤثر على صحة الإنسان، وكذلك نسب المركبات العضوية، وهذه المزارع معدة للتصدير فقط، فأين نصيب المواطن العادى الذي يأكل من إنتاج الحيازات الصغيرة التي لاتراعى أي معايير جودة ولايوجد عليها رقيب، فهى من المزرعة للمستهلك مباشرة.

ورأيت في عين الحضور وكأننى أتكلم بلسان حالهم، ومع ذلك لم تصلنى أية إجابة على مداخلتى، ولا أعرف لماذا أقيم هذا المؤتمر الفخم وهذه التكلفة العالية، ووجدت في عين الحضور الإشفاق على ما أصبو إليه، وأنا كل ما أتمناه أن نأكل - نحن الفقراء - مما نزرعه بأيدينا ونصدره للخارج، أليس من حقنا أن نُطعم أنفسنا وأطفالنا مما نزرع؟ ولماذا سنظل دائمًا نزرع ونحصد لصالح العالم أجمع ولا يكون لنا نصيب من هذا الحصاد؟

ياسادة، لابد أن نحترم أنفسنا أولًا ليحترمنا الجميع، لابد أن نحترم المواطن في غذائه ومسكنه والهواء الذي يتنفسه وهى أبسط حقوق الإنسانية؛ حتى نجبر الآخرين على أن يبادلونا نفس الاحترام. لن أيئس ماحييت وسأظل أكافح وأنادى حتى يأتى اليوم الذى يسمع فيه الناس كلها صوتى، وحتى يأتى اليوم الذي يتألم فيه كل المصريين والعرب أجمع بما يؤلمنى، لابد لكى نتقدم إلى الأمام ونُشفى من أمراضنا، أن نصرخ ألمًا من هذه الأمراض ولانتوافق معها.. لكِ الله يامصر ويا كل العرب.

الجريدة الرسمية