"بلاش بالمرصاد" يا فضيلة الشيخ الجليل
هو فضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب. فقد قال لنائب الرئيس العراقي الدكتور خضير الخزاعي عندما قابله منذ عدة أيام "إن الأزهر الشريف الذي يعبِّر عن أكثر من مليار سُنِّى يقف بالمرصاد ضد المد الشيعى، وأنه لن يسمح مطلقا بنشر المذهب الشيعى في بلاد أهل السنة".
الحقيقة اندهشت من قوله ذلك. فحرية الاعتقاد منصوص عليها في الدستور الحالي، ناهيك عن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. أضف على كل ذلك القرآن الكريم ( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). ولا أظن أن فضيلته يحب أن يكون أهل السنة معتنقون لمذهبهم السني "بالعافية"، بل هم سنيون لأنهم يريدون أن يكونوا كذلك. أي أنهم اختاروا بكامل حريتهم هذا المذهب رغم أنهم يعرفون كل شيء عن المذاهب الأخرى، بل والأديان والمعتقدات الأخرى. ولا أظن فضيلته وهو العالم الجليل يريد لأهل السنة (مليار إنسان) السجن دون إرادتهم داخل مذهب السنة بالقمع والقهر.
ثم أنني أظن أن فضيلته أو أيًا من أهل السنة لن يستطيع أن يمنع أحدًا من اعتناق المذهب الشيعي أو غيره من المذاهب. العالم تغير لم تعد فيه الشعوب حبيسة الأنظمة الحاكمة وحبيسة رجال دينها. فمنذ عدة عقود كان مصدر المعرفة يكاد يكون منعدمًا إلا من خلال ما تسمح به الحكومات. وتدريجيًا دخلت الإذاعات الخارجية مثل BBC ومونت كارلوا ومن بعدها الفضائيات. والآن عالم الإنترنت اللانهائي من المستحيل منعه. فكل الأفكار أصبحت متاحة وكل الآراء إذن أصبحت متاحة. بل وكل الموبقات متاحة وحتى ما هو غير أخلاقي، فكيف سيواجه فضيلة الشيخ الجليل كل ذلك؟!
لا أعرف. ربما لن يجد أمامه سوى استعداء السلطة ضد مصريين يعتنقون المذهب الشيعي. فيتم مطاردتهم وحرمانهم من بناء دور عبادة وممارسة عقائدهم. وسينفلت الأمر حتى بعيدًا عن السلطة ويتم سحلهم وقتلهم في الشوارع من قبل مواطنين، مثلما حدث منذ عدة اشهر مع مواطنين مثلهم من الشيعة. لا أظن آن فضيلته يقبل أن يتم سجن أو قتل أو ايذاء أي إنسان بسبب عقيدته أيا كانت حتى لو كانت الإلحاد، فما بالك بالشيعة.
لكن فضيلته محق في أن يطلب من نائب الرئيس العراقي طبقًا لما نشره زميلنا أحمد البحيري في جريدة المصري اليوم " على المراجع الدينية الشيعية أن تتبرأ من كل مَن يسب الصحابة الكرام وسيدتنا عائشة- رضى الله عنهم- وأن يصدروا فتاوى صريحة وواضحة بتحريم سب صحابة النبى- صلى الله عليه، وسلم- إذا أرادوا عقد لقاءات مع الأزهر الشريف”. انتهى كلام فضيلته، فلا أحد من الممكن أن يقبل ذلك، ومن الصعب أن يقبل أي إنسان أن يتم سب معتقدات الآخر. لكن المشكلة هي أن نائب الرئيس العراقي من الصعب أن يسيطر شطط بعض الشيعة. مثلما من الصعب على فضيلة الشيخ الطيب أن يسيطر على شطط بعض أهل السنة الذين يعتبرون الشيعة كفرة ويسبونهم بأقذع الألفاظ.
لذلك فالأمر ليس حله "أن نقف بالمرصاد" للآخرين أيًا كانت عقائدهم. لكن أن يهتم أهل السنة بأمورهم أكثر من اهتمامهم بغيرهم. أن ينقوا الفقه وتاريخه مما هو ضد الإنسان وضد الحياة. أن ينزعوا الأسس يستند عليها الإرهابيون المنتسبون للدين. أن ينقوا مناهج الأزهر وطرق تدريسه مما يناهض روح التسامح الإسلامي. يصالحون المسلمين على جوهر الإسلام. وأن يصالحوهم على العالم حتى يكونوا جزءًا من تقدمه وليس تخلفه.
أظن أن فضيلة شيخ الأزهر الجليل والمؤسسة التي يترأسها هذه هي مسئوليتها الأولى.