جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن التحرش
أفزعني فيديو يظهر فيه شباب يرتدون جواكت مكتوبا عليها " ضد التحرش"، يقبضون على شابين، يتعاملون معهم بعنف شديد، بل ويكتبون على ملابسهم، يافطة "أنا متحرش". هذه ليست الحالة الوحيدة. فقد قرأت أخبارًا كثيرة عن حالات مشابهة. لماذا أفزعني كل ذلك؟
قبل الفزع، لابد من تأكيد على أنه لا شك أن القطاع الأكبر من المصريين أصابهم الهلع والقرف من الاعتداء الوحشي على فتيات وسيدات أثناء الاحتفالات بتنصيب السيسي في ميدان التحرير. ولا شك أن الأمر مخز ويحتاج إلى علاج قصير الأمد وآخر طويل الأمد. مع التأكيد أن هذه ليست الحالات الأولى لهذا النوع من الجرائم. فقد كانت تحدث طوال الوقت وفي كل العهود. لكن بالتأكيد إنها زادت بعد ثورة وتزيد مع الوقت لأسباب كثيرة.
لكن ليس بالتأكيد من بين حلول هذه الكارثة أن يقرر بعض من الناس المتحمسين، أن يحلوا محل الشرطة في القبض على المتهمين، وأن يحلوا محل القضاء ويصدروا أحكامًا فورية، وينفذوها. لأن هذا معناه بمرور الوقت السماح بتكوين ميليشيات "أمر بالمعروف ونهي عن المنكر" مسلحة بكل أشكال السلاح، يبدأ خفيفا ويمكن أن ينتهي ثقيلا. لأنها من الممكن أن تواجه مقاومة من المتهمين بهذه الأفعال المشينة.
فما معنى هذا؟
معناه أن هناك ميليشيات تحت غطاء أخلاقي أو ديني تحل محل القانون والدولة. وإذا كانت اليوم تقوم بمقاومة الاعتداء على النساء، فمن الوارد غدًا أو بعد غد أن تتكون لأسباب أخرى. قد تكون أسباب قبائلية أو عائلية أو طائفية أو غيرها. إذا كانت في البداية يمكن السيطرة عليها، فمن المستحيل التأكد من إمكانية ممارسة أي سيطرة عليها في المستقبل.
لعل القارئ الكريم يتذكر أنه في عهد الرئيس الأسبق محمد ومرسي وعهد الإخوان، انتشرت جماعات تطلق على نفسها مسميات مختلفة، أشهرها "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". كانت تحل محل الشرطة والقضاء. تنتشر في الشوارع، تقيم الحد على ما لا يعحبها، ضد الرجال والنساء. ولعل القارئ الكريم يتذكر شاب السويس الذي قتلته إحدى هذه الجماعات. ولعلك تتذكر أيضًا حوارا نشرته جريدة الوطن، على ما أذكر، لقائد هذه الجماعة كان يهدد ويتوعد.
كما كانت هناك اقتراحات من جماعات إسلامية بتشكيل ميليشيات بحجة "مساعدة الشرطة الضعيفة". كان هذا الاقتراح قد بدأ تنفيذه على الأرض في بعض محافظات الصعيد وانتشرت الموتوسيكلات براكبين يثيرون الرعب بين الناس. وقد تراخى الإخوان وقت أن كانوا يحكمون في مواجهة هذه الميليشيات، لكنهم بعد قليل وربما تحت ضغط الرأي العام وضغط الشرطة رفضوها.
مواجهة التحرش والاعتداءات الموجهة ضد النساء وضد أي إنسان لا تحتاج إلى ميليشيات، لكن إلى تطبيق القانون بنزاهة وعدالة. وتحتاج إلى حلول أخرى شجاعة ربما يمكننا إدارة نقاش حولها في مقال قادم.