رئيس التحرير
عصام كامل

"هابى فالنتاين"..4


فصفقنا جميعا لإمرئ القيس، الذى تلاه "الشريف الرضى"، بقصيدة "ظبية البان"، التى كتبها فى معشوقته التى حضرت بصحبته، ومن أبياتها:

يا ظَبيَةَ البانِ تَرعى فى خَمائِلِهِ

لِـيَهنَكِ الـيَومَ أَنَّ القَلبَ مَرعاكِ

الـمـاءُ عِـنـدَكِ مَـبـذولٌ لِـشارِبِهِ

وَلَيسَ يُرويكِ إِلّا مَدمَعى البا

هَبَّت لَنا مِن رِياحِ الغَورِ رائِحَةٌ

بَــعـدَ الـرُقـادِ عَـرَفـناها بِـرَيّـاكِ

ثُــمَّ اِنـثَـنَينا إِذا مـا هَـزَّنا طَـرَبٌ

عَـلـى الـرِحـالِ تَـعَـلَّلنا بِـذِكـراكِ

سَـهمٌ أَصـابَ وَرامـيهِ بِذى سَلَمٍ

مَـن بِالعِراقِ لَقَد أَبعَدتِ مَرماكِ

وبدا أن تلك الكلمات الناعمة لامست قلوب الجميع، الذين صفقوا طويلا قبل أن يظهر علينا "الحصرى القيروانى"، منشدا:

يـا ليلُ الصبُّ متى غدُه أقـيامُ الـسَّاعةِ مَـوْعِدُهُ

رقـــدَ الـسُّـمَّارُ فـأَرَّقـه أســـفٌ لـلـبـيْنِ يــردِّدهُ

فـبـكاهُ الـنجمُ ورقَّ لـه مـمّـا يـرعـاه ويـرْصُدهُ

كـلِفٌ بـغزالٍ ذِى هَـيَفٍ خـوفُ الواشين يشرّدهُ

نصَبتْ عينايَ له شرَكاً فـى الـنّومِ فـعزَّ تـصيُّدهُ

وكـفى عجباً أَنِّى قنصٌ لـلسِّرب سـبانِى أغْـيَدهُ

صـنـمٌ لــفتنةٍ مـنتصبٌ أهـــــواهُ ولا أتــعــبَّـدُهُ

وكانت المفاجأة لى رومانسية الشاعر الثورى "أبى القاسم الشابى"، الذى رسم بأبيات متخمة بالعاطفة حبيبته كائناً سماوياً يفيض رقة وطهراً وشفافية، فأنشد:

عـذبة أنـت كـالطفولة كالأحلام

كـالـلحن كـالـصباح الـجـديد

كالسَّماء الضَّحُوكِ كاللَّيلَةِ القمراءِ

كـالـوردِ كـابـتسامِ الـولـيدِ

يـا لـها مِـنْ وَداعـةٍ وجـمالٍ

وشَــبـابٍ مُـنـعَّـمٍ أُمْـلُـودِ

يـا لها من طهارةٍ تبعثُ التَّقديسَ

فــى مـهـجَةِ الـشَّقيِّ الـعنيدِ

يـا لـها رقَّـةً تَـكادُ يَرفُّ الوَرْدُ

مـنها فـى الـصَّخْرَةِ الـجُلْمودِ

أَيُّ شـىءٍ تُـراكِ هلْ أَنْتِ فينيسُ

تَـهادتْ بَـيْنَ الـوَرَى مِنْ جديدِ

لـتُعيدَ الـشَّبابَ والفرحَ المعسولَ

لـلـعـالمِ الـتَّـعيسِ الـعـميدِ

أَم ملاكُ الفردوس جاءَ إلى الأَرضِ

لـيُـحيى روحَ الـسَّلامِ الـعهيدِ

ونال "الشابى" استحسان الجميع، سوى "أنيس منصور"، وكاتب هذه السطور، لاعتقادنا أنه ليس هناك امرأة مهما بلغت من حُسن هذا الثناء والتقدير، ثم جاء بعده الشاعر "محمود حسن إسماعيل"، الذى أنشد قصيدته جاءت "أقبلى كالصلاة" ومن أبياتها:

أقـبلى كـالصلاة رقـرقها النسك

بـــمــحــراب عـــابـــد مــتــبـتـل

أقــبـلـى آيــــة مـــن الله عـلـيـنا

زفــهـا لـلـوجـود وحـــيُ مُــنـزَل

أقـبـلى كـالجراح ظـمأى وكـأس

الـحب ثـكلى والشعر ناى معطل

أنــت لـحـنُ عـلى فـمى عـبقرى

وأنــــا فـــى حــدائـق الله بـلـبـل

أقـبـلى قـبل أن تـميل بـنا الـريح

ويــهـوى بــنـا الـفـناء الـمـعجل

زورقى فى الوجود حيران شاك

مـثـقـل بــأسـى شــريـد مـضـلـل

أزعـجته الـرياح واغـتاله الليل

بـجـنـح مـــن الـديـاجـير مـسـبل

ولأن "نزار قبانى"، كان دبلوماسيا، وظهر فى عصر وسائل الإعلام المتقدمة، وقدم أغنياته أشهر المطربين، فإنه حظى فور ظهوره على المنصة باستقبال وحفاوة طاغية، قبل أن ينشد بأداء راق:

علمنى حبك أن أحزن

وأنا محتاج منذ عصور لامرأة تجعلنى أحزن

لامراة أبكى فوق ذراعيها مثل العصفور

لامرأة تجمع أجزائى كشظايا البللور المكسور

علمنى حبك سيدتى أسوأ عادات

علمنى أفتح فنجانى فى الليلة آلاف المرات

وأجرب طب العطارين وأطرق باب العرافات

علمنى أن أخرج من بيتى لأمشط أرصفة الطرقات

وأطارد وجهك فى الأمطار وفى أضواء السيارات

وألملم من عينيكِ ملايين النجمات

يا امرأة دوخت الدنيا يا وجعى يا وجع النايات

أدخلنى حبك سيدتى مدن الأحزان

وأنا من قبلك لم أدخل مدن الأحزان

لم أعرف أبدا أن الدمع هو الإنسان

أن الإنسان بلا حزن ذكرى إنسان

علمنى حبك أن أتصرف كالصبيان

أن أرسم وجهك بالطبشور على الحيطان

يا امرأة قلبت تاريخى

إنى مذبوح فيكِ من الشريان إلى الشريان

علمنى حبك كيف الحب يغير خارطة الأزمان

علمنى حين أحب تكف الأرض عن الدوران

علمنى حبك أشياء ما كانت أبدا فى الحسبان

فقرأت أقاصيص الأطفال

دخلت قصور ملوك الجان

وحلمت بأن تتزوجنى بنت السلطان

وحلمت بأنى أخطفها مثل الفرسان

وحلمت بأنى أهديها أطواق اللؤلؤ والمرجان

علمنى حبك يا سيدتى ما الهذيان

علمنى كيف يمر العمر

ولا تأتى بنت السلطان ..

وكان "نزار قبانى"، هو مسك الختام وبأبياته والرقراقة انتهت أمسية عيد الحب، والتف الحضور حول الشعراء، ودار بينهم همس كثير قبل أن يأووا هم إلى موتهم، وأعود أنا إلى حياة، بلا حب، وبلا مشاعر، حياة يسودها الكذب والخيانة، والعواطف المأجورة، حياة أصبح الحب فيها يباع ويشترى، تماما كالنساء..

 
الجريدة الرسمية