من يدفع تكلفة تنصيب السيسي؟
أتفهم أن هناك رغبة شديدة للتفتيش عن أي فرحة. ربما يفسر ذلك الرقص فرحًا بفوز عبد الفتاح السيسي. فمن المؤكد أن الأمر لم يكن فيه أي مفاجأة. فقد كان الجميع يعرفون أنه "ناجح ناجح". لكن الناس تعبت وتبحث عن "قشة"، وهي "القشة" التي أتمنى من الله جل علاه ألا يخيب ظنهم فيها. فهذه المرة لم يختاروا شخص السيسي، مع كامل الاحترام والتقدير له، لكنهم يختارون المؤسسة الوحيدة يرونها "لسه صالبة حيلها" وتوسموا خيرًا في واحد من أبنائها.
كل هذا مفهوم. لكن غير المفهوم هو هذه الاحتفالية الضخمة التي نظمتها الحكومة لتنصيب السيسي. حفلة وتفاصيل تقترب من تنصيب الملوك والأباطرة. شيء يشبه ما كان يحدث في مصر قبل 1952 عندما يتم تنصيب ملك جديد. فما المبرر؟
الحقيقة أنني لا أجد سببًا مقنعًا لكل هذه الملايين التي تم إنفاقها، ولا لكل هذه الشخصيات من كل دول العالم الذين تمت دعوتهم. فالسيسي نفسه طالب المصريين بشد الحزام. وناشد الطالب "اللي بيحب مصر" أن يمشي حتى الكلية التي يدرس فيها ترشيدًا للإنفاق. وطالب الناس بأن يسعوا إلى استبدال اللمبات العادية بأخرى موفرة. وتحدث كثيرًا لحد الإحباط عن الأزمة الطاحنة وضرورة تخفيض الإنفاقات. وطلب من رجال الأعمال، فيما يشبه الجباية، بأن يتبرعوا بالملايين في صندوق و"يردوا الجميل لمصر".
مع ذلك وبالرغم من كل ذلك، فقد اختار الرجل أن يقيم هذه الاحتفالية الأسطورية. بل واختار أيضًا أن يكون يوم تنصيبه إجازة رسمية، وكأنه عيد قومي. وهو بالتأكيد ليس كذلك. فهو مجرد موظف برتبة رئيس اختارته أغلبية وتريد منه تحقيق مهام محددة كلنا يعرفها. وأتمنى من الله جل علاه أن ينسى الرجل "موضوع التفويض". فانتخاب رئيس يختلف تمامًا عن "التفويض" الذي يقربنا من "المبايعة" التي كانت تحدث في عهود قديمة للخلفاء والأباطرة وقلدهم الدكتاتوريون العظام.
الحقيقة أنني أكره تعبير "تفويض"، وما زلت أتذكر كيف أن قلبي انقبض عندما طلبه الفريق السيسي وقتها من الناس. فهو لم يكن بحاجه إليه، فوظيفته ووظيفة الحكومة وقتها ووظيفة كل من تولوا سلطة الحكم وقتها، أن يقوموا بعملهم ويحاربوا الإرهاب. وأتذكر أن نقلت انزعاجي لصديقي الإذاعي والأديب اللامع محمد جراح في مداخلة على الهواء في إذاعة الشباب. فالقانون العادي يكفل للرجل أن يحمي البلد ويحارب الإرهاب كما يشاء.
الملفت أيضًا هو دعوة ممثلي حكومات من كل بلاد الأرض، وكأن الرئيس الجديد يريد أن يؤكد لهم بطريقة ما أن لديه شرعية حقيقة. فهو لم يحصل فقط على هذه النسبة الكاسحة من أصوات من ذهبت إلى صندوق الانتخاب. لكنه أيضًا يحظى بشرعية أخرى، هي فرحة الناس بفوزه.
ليسمح لي الرئيس، فكل هذا لن ينفعه. ولن ينفعه أنه جاء بانتخابات، فقد جاء مرسي بها. ولن ينفعه كل هذا النفاق. فلا أظن أن القطاع الأكبر من المصريين سوف يتنازل عن أهداف ثورة يناير ( عيش.. حرية.. وعدالة اجتماعية). ولن يتنازلوا عن حد أدنى من حياة كريمة. بل وسوف يجبرون السيسي كما قال لي دبلوماسي مرموق على دفع " حساب كل المشاريب". أي أخطاء مبارك والمجلس العسكري والإخوان. بمعنى أنه مطالب بأن يصلح ما أفسدوه. فإذا لم ينصلح الحال على الأرض، وليس بالكلام "الحنين"، فلن ينجو أحد من الطوفان.