رئيس التحرير
عصام كامل

عشوائيات إعلامية


في زمن التسيب واللا قانون.. تتفشى الفوضى وتنشأ العشوائيات.. والعشوائية لا تقتصر على البشر والأماكن.. بل امتدت للتفكير والسلوك.. وكأنه هناك قانون يحكم العلاقة بين العشوائية المكانية والعشوائية السلوكية والفكرية.. وكأن هناك تأثيرا مباشرا للعشوائية المكانية على العشوائية السلوكية والفكرية دونما ارتباط مباشر بين الإنسان والمكان.. فليس شرطًا أن كل قاطنى العشوائيات عشوائيو التفكير أو السلوك.. وعلى الوجة الآخر ليس شرطًا أن عشوائى السلوك والأفكار من قاطنى العشوائيات.. بل ربما من قاطنى القصور والفيلات.. فالعشوائية لم تعد حكرًا على طبقة دون أخرى.. بل انتشرت وتشعبت كالسرطان في جسد المجتمع ككل.. خاصة تلك المتعلقة بالسلوك أو التفكير.. وأصبحنا نراها حولنا في كل مكان وربما دون توقع..

وأخطر ما في العشوائية ليس فقط التخبط وعدم النظام.. بل اختلاط الأمور ببعضها البعض.. وتداخل الصواب مع الخطأ.. فالعشوائية لا قانون يحكمها ولا ضوابط.. بل هي خروج عن القانون والعادات والتقاليد والمألوف.. إنها فوضى تسكن البشر. 

وأخطر ما أصاب مجتمعنا من تداعيات هذه العشوائية الفكرية والسلوكية.. العشوائية الإعلامية.. أو عشوائيات الإعلام.. التي انتشرت بشكل ملفت للنظر في الآونة الأخيرة وخاصة بعد 25 يناير.. وكأن الثورة تحولت في نظرهم إلى فوضى وتسيب وغياب للقانون.. أو ضرب للقانون بعرض الحائط. 

لم يقتصر انتهاك القانون على عشوائية "الجزيرة مباشر" التي أخذت تعيث في الأرض فسادًا وتبث الإشاعات والأكاذيب وتدس السم في أخبارها وتقاريرها.. رغم أنها تعمل بلا تصريح أو أي سند قانونى.. ولكنها استظلت بحماية الثورية.. وكأن الثورة تُبيح الخطأ.. 

بل توالى ظهور العديد من المحطات بعضها تستر وراء الدين وبعضها وراء السياسة، وأغلبهم يستند لقانون الفوضى.. أو بتعبير أصح "تحدى القانون".. فرغم أن القانون لا يُجيز إنشاء محطات على أساس دينى أو ذات توجه دينى.. نشأت هذه المحطات تحايلًا على القانون واحتمت بالدين وأن إغلاقها محاربة للدين..! فرأينا منها ومن خلالها العجب.. أناس لا علاقة لهم بالدين أو الإعلام يتصدرون هذه المحطات ويبثون سمومهم وأفكارهم العشوائية وفتواهم التكفيرية ليل نهار.. من عينة "هاتولى راجل ..."..

هذا بخلاف كلام المصاطب الذي يردده عمال على بطال أحد المتأعلمين -مدعى الإعلام وأحد أصحاب الدكاكين أو المصاطب الإعلامية- المسماة خطأ "محطات".. هذا الذي يطرد ويخصم من موظفيه ويحاسبهم بل ويسبهم على الهواء.. وكأنه على "مقهى" أو "في الشارع".. بل وصل به الأمر أن يعطى تعليماته وتوجيهاته للمخرج على الهواء.. بل وأمر إحدى مذيعاته بأن تُنهى مكالمة لم تعجبه، وقال للمخرج "اقفل يا ابنى البرنامج".. مصطبة إعلامية لا أكثر.. بل إن للمصاطب في القرى تقاليد يجب مراعاتها أما هذه المصاطب فبلا ضابط أو رابط.. 

أو هذه المذيعة أو تلك التي تصرخ وكأنها في حارة.. ولا تكتفى بصوتها العالى "المسرسع" بل تصرخ وتولول وهي تعطى نصائحها للوزراء والحكومة.. وتستعدى عليهم المشاهدين بأسلوب "خدوهم بالصوت".. وهؤلاء يتصورن أنفسهن زعيمات مناضلات لا لشىء إلاّ لأنهمن ينتقدن المسئولين "عمال على بطال" ونسين أن للنقد أصولا وآدابا.. وأن للإعلام قواعد مهنية في توجية النقد أو الانتقاد.. 

ومسألة ادعاء الزعامة هذه أصبحت سمة أغلب متأعلمى الفضائيات الخاصة والعامة في زمن العشوائيات الإعلامية.. تصوروا أن الصراخ والصوت العالى والتطاول على المسئولين وانتقاد القرارات.. ثورة.. وثورية.. فتمادوا وأخذهم التيار إلى آخر مدى في "طولة اللسان والتطاول".. وكله باسم الثورة والحرية الإعلامية.. والتي هي منهم ومن أفعالهم وضجيجهم براء..

هل هذه هي الحرية الإعلامية المزعومة التي يتحدثون عنها ويطنطنون بها ويهللون لها.. إنها فوضى وعشوائية إعلامية.. إعلام بلا ضوابط أخلاقية أو مهنية من أي نوع.. إعلام بلا تقاليد.. إعلام منفلت.. إعلام عشوائى.. من الآخر "إعلام  على الله" ...

الجريدة الرسمية