رئيس التحرير
عصام كامل

المصريون قدموا نموذجًا فريدًا في اختيار رئيسهم


سوف يقف التاريخ طويلًا أمام السنوات الثلاث الماضية، ليكشف بالوثائق كيف سرقت ثورة 25 يناير، وكيف ركب موجتها من استرزقوا منها، وجعلوها "سبوبة" لجلب التمويل الحرام على حساب دم وأمن الوطن.. كيف انحرفت البدايات والمسارات.. وكيف آلت النهايات والخواتيم.. وكيف تسارعت وتيرة العقاب والسقوط.. ونفت مصر خبثها كما تنفى النار الكير، ولفظت الخونة والمرتزقة وطلاب السلطة..

من يرجع لكلام راشد الغنوشى وهو شاهد من أهلها يدرك لأى مدى أنقذ الله مصر من جائعى سلطة، غلبت عليهم شهوتها وشقوتهم، فاستحوذوا على كل شىء، وغرتهم المكاسب حتى ظنوا أنها حق مكتسب لا يحق لأحد أن ينازعهم فيها، حتى جاءتهم صفعة القدر بثورة 30 يونيو التي فضحت مخططهم، وزلزلت عروشهم، وضربت أحلافهم.. وهو ما سوف يرصده الباحثون والمؤرخون بالتفصيل.

قدم المصريون نموذجًا يحتذى في الثورة السلمية وتغيير الحاكم، نموذجًا في تداول السلطة بإرادة الشعب، نموذجًا في حرب الإرهاب والانتصار عليه، نموذجًا في صدق الحس الوطنى واختيار القائد، نموذجًا في الصبر على الشدائد.. ثم ها هم يقدمون نموذجًا لثورة ثالثة هي ثورة الصندوق الانتخابى، ثورة الشرعية الدستورية لاختيار الرئيس؛ ليتأكد للعالم أن ما حدث في 30 يونيو ليس انقلابًا بل ثورة شعب يملك إرادته وقراره وصوته الذي أعطاه لرئيس وثق فيه، وحمّله أمانة بدء المعركة الحقيقية التي طال انتظارها.. معركة البناء والتنمية والعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.. معركة الديمقراطية التي تحتاج لنضال طويل وكفاح شاق حتى تنضج التجربة، وتترسخ القيم الديمقراطية في العقل والوجدان الجمعى.. فهل وصلت رسائل المصريين..؟!

كان الله في عون الرئيس الجديد "السيسي"، وفى عون مصر.. فثمة اختلالات شديدة وتصدعات خطيرة في بنية المجتمع.. وأزمة اقتصادية طاحنة وأزمة أخلاق وأزمة ضمير.. والأرقام مخيفة عن حجم البطالة والعنوسة بين الشباب والإدمان والديون الخارجية والداخلية وبطء النمو الاقتصادي، والمرض الذي ينخر في عظام المجتمع.. والفجوة الهائلة بين الخريجين وسوق العمل.. وهو ما يحتاج لثورة أخلاق ضد سلبية المجتمع التي تكرست عبر عقود.. وقبل هذا وذاك عودة الدولة وهيبتها وتطبيق القانون وإنهاء الفوضى.

نحتاج صرخة قوية توقظ الضمائر حتى يتنبه كل منا أن عليه واجبًا قبل أن يطالب بحقه.. صرخة ضد فساد الأخلاق والضمائر.. ففاتورة الفساد ضخمة هائلة ليس فساد الإدارة فحسب بل فساد الثقافة والعادات والرؤية والأولويات.. ولتكن البداية بإصلاح التعليم أولًا وثانيًا وثالثًا.. والكل مطالب بإصلاح ذاته قبل الحديث عن فساد غيره..!!
الجريدة الرسمية