رئيس التحرير
عصام كامل

الزراعة والبحث العلمي في مصر


لا أفهم على أي أساس يتم اختيار من ترسلهم مراكز البحوث الزراعية ووزارة الزراعة إلى جميع دول العالم فأجد أن السفريات تتم عن طريق العلاقات الشخصية والمعارف. ومن المفهوم أن السفريات تتم وفق جدول وبروتوكولات تعقدها الوزارة ومركز البحوث التابع لوزارة الزراعة مع كثير من الدول يتم فيها تبادل الخبرات أو نقلها إلى مصر. لكن أتفاجأ ببعض الباحثين ممن أرسلهم ورشحهم المركز إلى كثير من دول أوربا وهم يجهلون حتى التحدث باللغة الإنجليزية ويأتون ولا يتم عمل ندوة علمية يتحدث فيها المبعوث عن كل ما شاهده في هذه البعثة قصرت أم طالت ولا تتم محاسبته أو تقييم بعثته وما جلبته من فائدة.

فمركز البحوث الزراعية تحول إلى جزر منعزلة كل باحث أو أستاذ استطاع بعلاقاته الحصول على تمويل مشروع بحثى يسخر هذا التمويل لمصلحته الشخصية وسفرياته فقط فأين العدالة وأين هو التخطيط وكيف سيتقدم البحث العلمى بهذه الطريقة؟

إننى أجد أنه من الواجب الحتمى في الأيام المقبلة هو التغيير وأقصد تغيير المنظومة والقائمين عليها وتغيير الإستراتيجية كاملة وإرسال البعثات الخارجية بالتساوى ووفق برنامج يقدر النتائج المتوقعة من البعثة ولا تترك سدى أو اعتبارها نزهة تقدمها الوزارة لأشخاص بعينهم ومناقشة الباحث مناقشة عامة في مؤتمر علمى كبير عن كل مشاهداته وتفسيراته وتوصياته. والسؤال هل علماء الدولة تكرمهم الدولة لذاتهم وهم يعتبرون موظفين بها أو لتقدم الدول نفسها؟ وكيف تتقدم الدولة وبها من يعمل ويشعر باستحالة استثمار طاقته كاملة ويرى غيره وقد نال حظا وافرا من الدولة بلا أساس ولسبب آخر غير كونه يستحق وسيفيد الدولة فيشعر الباحثين بالإحباط وعدم المبالاة وعزوفهم عن العمل بالبحث العلمى بحب وحماس وهو العمل الذي لا يمكن فعله بطريقة روتينية.

واللافت للنظر أيضًا تحول معامل معاهد مركز البحوث إلى مكاتب وذلك لأن الأساتذة بعد حصولهم على درجة الأستاذية وبعد إحالتهم على المعاش لا يعملون بالبحث العلمى بأيديهم والمحالين على المعاش يحتفظون بمكاتبهم ويحصلون على مكاتب أخرى ودواليب وشباب الباحثين لا يجدون حتى أبسط أدوات البحث العلمى فلماذا لا يكون هناك مكان خاص للأساتذة الذين وصلوا سن التقاعد في المعهد أو في المركز نفسه ويسمى على سبيل المثال مبنى الحكماء يلجأ إليهم صغار الباحثين لاستشاراتهم وطلب المعونة العلمية بحيث تظل المعامل كما هي معامل ويمنع منعًا باتًا تواجد المكاتب والدواليب داخلها.

إن تم هذا وتم تنظيم السفريات والبعثات وتم بناء مبنى الحكماء ستعود المعاطف البيضاء إلى سابق عهدها.. حينئذ سوف لا يسمح بأحد في معمله دون ارتداء معطفه الأبيض لأنه ببساطة جاء ليشارك في خطة إستراتيجية بحثية تنمو يومًا بعد يوم. نعم هناك من العقول المبتكرة الكثير في مركز البحوث الزراعية ولكن هناك عددا أكبر بكثير سوف نفقده نهائيًا في ظل منظومة لا تراعى العدل وليس لها هدف واستراتيجية محددة ومجددة وفقًا لمتطلبات البلد.

فلننس ما قد سبق فقد ولى ونحاول جميعًا أن نتكاتف بالأيدى والعقول ونحدد أهدافنا جيدًا ونسعى لتحقيقها فعليًا على أرض الواقع حتى يستطيع لمسها كل مواطن على أرض مصر. فالزراعة هي من أوليات تقدم مصر والبحث العلمى الزراعى يجب أن يكون من أولى الأولويات فنحن لا نحتاج إلى زيادة ميزانية البحث العلمى بقدر ما نحتاج إلى توحيد ميزانياتنا الحالية وإعادة توجيهها توجيهًا صحيحًا ليتناسب مع كل ما تحتاجه الزراعة في مصر ولصالح المواطن المصرى.

فهل يوجد من يسمع؟ فهل يوجد من لديه الجرأة للنقاش؟ وهل يوجد من لديه القدرة بالاعتراف بالخطأ ولديه الاستعداد بالمشاركة لجعل مصر كسابق عهدها منارة الشرق؟ لك الله يا مصر.. وفقك الله ورعاك.

الجريدة الرسمية