رئيس التحرير
عصام كامل

مصر وأنفاق غزة


الحرب غير المسبوقة التى يشنّها نظام مصر "ما بعد الثورة"، على شريان حياة أهل غزة ممثّلاً بالأنفاق الحدودية، تبث الجرأة لدى وزير خارجية النسخة المباركية للنظام، أحمد أبوالغيط ليقول إن الأنفاق بين مصر وغزة والتى يمر عبرها ثلاثون فى المئة من إجمالى البضائع التى تصل إلى غزة، ضرورية من أجل منع "إسرائيل" من إذلال أهل غزة، وإن نظامه كان يعلم بها ويحرص على بقائها، مع علمنا أن النظام عمل فى بعض الأحيان على ردم عدد منها تلافياً لضغوط “إسرائيل” وتحريضها ضد مصر لدى الأمريكى والأوربى.

إذاً، حتى الرجل صاحب مقولة “تكسير أرجل الفلسطينيين إذا فكّروا باختراق الحدود”، يقر بأن شبكة الأنفاق بين مصر وغزة هى شريان حياة حيوى فى مواجهة حصار مفروض ظلماً منذ أكثر من سبع سنوات، ولم يجرؤ النظام العربى على تنفيذ قرار صدر عن مجلس الجامعة بكسره.
الحملة المتجدّدة التى استؤنفت قبل خمسة أيام ودمّرت خلالها عشرات الأنفاق غمراً بالمياه، فرضت حتى على بعض المحسوبين على حركة “حماس” حليفة النظام المصرى الإخوانى أن يخرجوا عن كبت خيبة أملهم، وإنْ بتحفّظ من جانب من كانوا يأملون بعلاقات أفضل مع مصر فى عصر الإخوان . لكن أحد مسئولى “حماس” اضطر إلى الاعتراف بأن مصر استهدفت الأنفاق مجدّداً . والمفارقة أن هذا الاستهداف تزامن مع اجتماع ممثلى الفصائل الفلسطينية فى القاهرة فى محاولة لرأب الصدع الداخلى ورؤية ضوء فى نهاية نفق الانقسام الذى تحاول قوى عديدة ردمه وإطفاء ضوئه.
إحدى وكالات الأنباء الغربية تقول إن مراسلها رأى أحد الانفاق التى تستخدم فى نقل الأسمنت ممتلئاً بالمياه، ومن حسن حظ العاملين فى النفق أنهم تمكّنوا من الخروج والنجاة بأرواحهم وحماية النظام فى مصر من وضع يزيد على موقفهم مزيداً من الحرج بعد مشاهد القمع والسحل التى بثّت على الملأ.
منذ أغسطس الماضى دمّر النظام الحليف لـ“حماس” عدداً من الأنفاق يفوق ما دمّره النظام “السابق” طوال السنوات التى شهدها عهده من الحصار “الإسرائيلى” - الرسمى العربى - الدولى الذى فرض على أهل غزة عقاباً لهم على خروج ثوب ديمقراطيتهم عن التفصيل الذى يريده الخياط الأمريكى. وإذا كانت حكومة غزة تحجم عن انتقاد نظام الحركة الأم، وهذا أمر مفهوم مع أنه غير مبرر باعتبار أن الخطأ خطأ والحصار لا دين له ولا هوية، فإن بعض سكان غزة أكثر صراحة فى التعبير عن خيبة أملهم.
أمّا أصحاب الأنفاق الذين تمثّل هذه بالنسبة إليهم “عقارات” ووسائل إنتاج، وتجسيداً لمقولة “مصائب قوم عند قوم فوائد”، فهم أشد غضباً إزاء حرب تستهدف “أعمالهم”. أحدهم يقول إن الإجراءات منذ صعود الرئيس محمد مرسى أصبحت أسوأ مما كانت، وإن ما بين 150 و200 نفق تم إغلاقها أو إغراقها منذ مجيء مرسى إلى الحكم.
وحتى لا يساء فهم هذه الملاحظات أو توضع فى غير إطارها الموضوعى، فإنه يتوجّب التأكيد أن حق أى دولة فى ضبط حدودها ومعابرها مسألة خارج أى نقاش، لكن فى المقابل لا يجوز أن تكون حركة البشر والبضائع بين غزة ومصر رهناً برضى “إسرائيل” والغرب، بل بمصلحة الجانبين، واستناداً إلى الاعتبارات القومية والدينية والإنسانية والأخلاقية، والسياسية أيضاً . وإذا حافظ النظام المصرى على العلاقة مع “إسرائيل” والسياسة السابقة نفسها تجاه الغرب الاستعمارى، ف “كأنك يا أبو زيد ما غزيت”.
نقلاً عن الخليج الإماراتية
الجريدة الرسمية