رئيس التحرير
عصام كامل

الثورة المصرية تثلّث دوراتها


عندما اتفقت جماهير الشعب العربى فى مصر، عبر وسائل التواصل الاجتماعى على التلاقى فى ميدان التحرير بالقاهرة صبيحة يوم الخامس والعشرين من شهر يناير قبل عامين، لم يكن فى نيتها أبداً إطلاق تحرك ثورى يطيح برأس النظام الحاكم خلال ثمانية عشر يوماً. كان غرض الجماهير الأساسى استغلال ذلك اليوم الذى يصادف العيد السنوى لقوات الشرطة المصرية من أجل التعبير عن احتجاجها على الممارسات العنيفة التى تواجه بها الشرطة المصرية جماهير الشعب، والتى كان رمزها موت الشاب خالد سعيد فى الإسكندرية تحت تعذيب الشرطة.

لكن حماقة وغباء تصرف الحكم وأجهزة الحزب الوطنى الحاكم، فى الأيام الأولى لتلك الحركة أنسى الجماهير غرضها الأول الذى خرجت من أجله، وأصبح الشعار المرفوع للجماهير التى ملأت ميادين مصر كلها من أسوان جنوباً إلى الإسكندرية شمالاً: “يسقط يسقط حسنى مبارك”.
تلك كانت الدورة الأولى من ثورة 25 يناير المصرية، والتى لم تسقط فقط رأس النظام الحاكم بل أسقطت معه مبدأ وراثة ابنه جمال له. كما أسقطت قراره فى أيامه الأخيرة بتعيين عمر سليمان نائباً لرئيس الجمهورية.
فى أيام تلك الدورة الأولى من الثورة، كان قرار قيادة الجيش بعدم التصادم مع الجماهير لحساب النظام، هو الذى جعل تلك الجماهير تهتف لوحدة الشعب والجيش، وتقبل بترحاب وبعدم قلق، قرار مبارك بالتنازل عن سلطة رئيس الجمهورية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة. وقد كان ذلك فى وقته قراراً غير دستورى، لأن الدستور كان ينص على نقل سلطة الرئيس، إذا شغر موقعه لسبب ما، انتقالاً مؤقتاً إلى رئيس مجلس النواب، وفى حال شغور هذا المنصب الثانى، إلى رئيس المحكمة الدستورية.
وسارت الأمور بهدوء سياسى وأمنى فى الأيام الأولى، غير أن المجلس الأعلى سرعان ما كشف عن شهوة بتمديد بقائه فى السلطة أطول فترة ممكنة، كما أثبت - أكثر من ذلك - أنه كان الوجه الآخر للرئيس المخلوع حسنى مبارك، فى الحفاظ على كل معالم نظام الحكم السابق.
لكن ذلك سرعان ما تحول إلى محطة لإطلاق سريع للدورة الثانية للثورة المصرية، التى أصبح شعارها الصريح “يسقط يسقط حكم العسكر” .
وقد لفتت سرعة رد الفعل الجماهيرى هذه وعمقها وتجذرها لفتت أنظار المراقبين إلى تبدل واضح فى مزاج الشعب المصرى، الذى كان يعرف عنه عادة بطء الحركة فى ردة فعله على مظالم النظام الحاكم.
وبعد شد وجذب استمر أشهراً طوالاً بين الجماهير الغاضبة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، اضطر هذا المجلس إلى الانسحاب من الواجهة السياسية، وإفساح الأمور أمام ولادة مرحلة مدنية جديدة.
لكن مخاض ولادة هذه المرحلة المدنية الجديدة، سرعان ما كشف فيه الإخوان المسلمون، أنهم زاحفون للسيطرة على الحكم، علما بأنهم لم يكونوا طرفاً أصيلاً واضحاً وحاسماً، فى الدورتين الأولى والثانية للثورة، فيما تؤكده تفاصيل وقائع هاتين الفترتين.
عندئذ، خالفت جماهير الشعب المصرى عاداتها القديمة فى بطء التحرك فى مواجهة ما تراه إعوجاجاً فى السلطة، فانطلقت لتدشن الدورة الثالثة من ثورة 25 يناير، التى ارتفع شعارها واضحاً، كما فى المرتين السابقتين: “يسقط يسقط حكم المرشد” .
لكن الوضع فى هذه الدورة الثالثة أكثر تعقيداً من كل ما سبق ذلك أن على رأس السلطة رئيساً منتخباً بانتخابات حرة ونزيهة، لا يغير من نتيجتها إحساس جماهير الثوار أنهم اخطأوا عندما توجهوا لانتخاب محمد مرسى بأنفسهم، فى مواجهة ترشيح أحمد شفيق، الذى كان نجاحه يهدد بعودة النظام السابق بصورته الأصلية، وليس بمن يقلده فى كرسى الحكم.
ذلك هو المشهد الدرامى الذى يلف الحراك السياسى فى مصر، والذى يزيد من دراميته أن الجماعة الحاكمة، لا يحركها حتى الآن، سوى شهوتها فى التسلط والاستفراد بكل منصب فى مصر، بما فى ذلك منصب مفتى الديار، ومنصب شيخ الأزهر. وهو ما فشلت فى الوصول إليه .
الأمر يستدعى الكثير من التعقل لدى الجماعة الحاكمة بشكل خاص، خاصة بعد أن أثبتت جماهير الشعب المصرى، وتثبت كل يوم، أنها طلقت عاداتها التاريخية السابقة فى بطء الحركة لمواجهة أى اعوجاج تراه فى السلطة الحاكمة.
نقلاً عن الخليج الإماراتية
الجريدة الرسمية