الغفلة عن ذكر الله، أسبابها وطرق علاجها وآثارها
ذكر الله من الأمور التي ينبغي للمسلم الانشغال بها وعدم الغفلة عنها وقد حذر الله تعالى عباده المؤمنين من الغفلة؛ فقال تعالى: ﴿واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين ﴾ [الأعراف:205].. وحذرهم أن تلهيهم الدنيا بمتاعها عن طاعته جل وعلا، فقال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون﴾ [المنافقون:9].. وبرغم ذلك فإن الكثيرين يغفلون عن ذكر الله فما هو معنى الغفلة وما هي أسبابها وما هي الآثار المترتبة عليها وما هي طرق علاجها.
مفهوم الغفلة
الغفلة هي غيبة الشّيء عن بال الإنسان، وعدم تذكّره له، قال الله تعالى:﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ﴾(الأنبياء:1) والغفلة عن الشيء: نسيانه، وإهماله، والإعراض عنه..
عدد ورود كلمة الغفلة في القرآن الكريم
وردت كلمة الغفلة وصيغها في القرآن الكريم ٣٥ مرة، وجاءت بمعني ترك الشيء سهوًا، وربما كان عن عمد.
التحذير من الغفلة
حذر الله تعالى الإنسان من الغفلة بعد أن أودع في فطرته أنه ربه وخالقه ومليكه، فأقر له بذلك خشية أن ينكر يوم القيامة تلك الحقيقة قال الله تعالى:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ )الأعراف 172
وقد نهى الله تبارك وتعالى نبيه عن الغفلة قال الله تعالى:( وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِين )(الأعراف 205)
كما حذر الله تعالى نبيه عن طاعة من جعل قلبه غافلا عن ذكر ربه.قال الله تعالى:( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا )(الكهف 28) وأخبر أيضا بأنَّ أكثر الخلق غافل ونقال الله تعالى:﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾ (يونس: 92)
والغفلة من الصفات المذمومة التي ذمها الله تعالى فقد وصف أصحابها بأنهم أضل من الأنعام فهم لا ينتفعون بحواسهم قال الله تعالى:( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ )
أسباب الغفلة
للغفلة أسبابا كثيرة؛ من أخطرها:
1- طول الأمل، كما قال تعالى: ﴿ ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ﴾ [الحجر:3].. قال علي بن أبي طالب: (إن أخوف ما أتخوف عليكم اثنتين: طول الأمل واتباع الهوى؛ فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق.. ).
2- هجر القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿ اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون * ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون * لاهية قلوبهم ﴾ [الأنبياء:1].
3- التهاون في أداء الصلوات المكتوبات، والتكاسل عن الجمع والجماعات، قال صلى الله عليه وسلم: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين"، والحديث في مسلم.
4- حب الدنيا والركون إليها، وتعلق القلب بزخارفها، والمبالغة في الاشتغال بملذاتها، قال تعالى: ﴿ ولكن أكثر الناس لا يعلمون * يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ﴾ [الروم:7].. قال ابن القيم: «على قدر رغبة العبد في الدنيا ورضاه بها يكون تثاقله عن طاعة الله وطلب الآخرة».
5- الجهل بالله عز وجل وأسمائه وصفاته، فمن عرف الله حق المعرفة عظمه وأحبه وأطاعه فلم يغفل عن ذكره.. تأمل: ﴿ قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب * الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب * الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب ﴾ [الرعد:28].
6- ارتكاب المعاصي، قال تعالى: ﴿ كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ﴾ [المطففين:14].
7- صحبة البطالين ورفقاء السوء: فالصاحب ساحب، والمرء على دين خليله، وعن المرء لا تسأل وسل عن قرينه، فمن جالس أهل الغفلة والجرأة على المعاصي صار مثلهم: ﴿ ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ﴾ [الكهف:28].
8- كثرة اللهو واللعب، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من اتبع الصيد غفل"، وأولى من ذلك بالتحذير هذه الألعاب الإلكترونية التي أسرت قلوب شبابنا، واستنفدت قواهم وأوقاتهم، حتى ضيعوا واجباتهم الدينية والدنيوية.
آثار الغفلة
للغفلة آثار خطيرة ونتائج سيئة.
1- الطبع على قلوب الغافلين وعلى أسماعهم وأبصارهم؛ فلا تتعظ بموعظة، ولا تنتفع بتذكير، كما قال تعالى في حق الكفار المعرضين: ﴿ ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين * أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون ﴾ [النحل:108].
2- الانصراف عن الحق ونصرة الباطل، كما قال الله تعالى: ﴿ سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ﴾ [الأعراف:146].
3- الخسارة في الآخرة قال الله تعالى: ﴿ إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون * أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون ﴾ [يونس:7].
4- الإنسان كلما غفل قلبه عن الله، تمكن الشيطان منه أكثر، حتى يصبح له قرين سوء لا يفارقه، قال تعالى: ﴿ ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ﴾ [الزخرف:36].. وماذا سيجنى منه: ﴿ وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ﴾ [الزخرف:37].
علاج الغفلة والتخلص منها
1- معرفة الله عز وجل، ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومعرفة دينه وشرعه، قال الله تعالى: ﴿ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب ﴾ [الزمر:9]..
2- المحافظة على الصلوات جماعة، بخشوع وحضور قلب؛ قال جل وعلا: ﴿ وأقم الصلاة لذكري ﴾ [طه:14].. وفي الحديث الصحيح: قال صلى الله عليه وسلم: "من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ في ليلة مائة آية كتب من القانتين".
3- كثرة ذكر الله تعالى؛ فالذكر يحيي القلوب، ويطرد الشيطان، ويزكي الروح، ويقوي البدن على الطاعات، ويوقظ من نوم النسيان، ودوامه يحفظ العبد من المعاصي، قال تعالى: ﴿ واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين ﴾ [الأعراف:205].. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه، مثل الحي والميت"، والحديث في البخاري.. وقال ابن القيم: "إن الغافل بينه وبين الله عز وجل وحشة، لا تزول إلا بالذكر".
4- مداومة تلاوة القرآن وتدبره؛ فهو غذاء الأروح، وشفاء القلوب، قال جل وعلا: ﴿ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ﴾ [الإسراء:82].. وفي الحديث الصحيح: " من قرأ عشر آيات في ليلة؛ لم يكتب من الغافلين".
5-الإكثار من التوبة والاستغفار، قال صلى الله عليه وسلم: "إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة"، والحديث في مسلم.. وفي الحديث الحسن، قال صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه".
6- مجالسة العلماء والصالحين؛ لأنهم يذكرون بالله، ويعلمون شرع الله، ويعينون على طاعة الله، قال جل وعلا: ﴿ واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ﴾ [الكهف:28].
7- الابتعاد عن مجالس اللهو والسوء، قال الله عز وجل: ﴿ وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا ﴾ [النساء:140].
8- كثرة الدعاء والتضرع إلى الله تعالى: ففي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها قالوا: إذا نكثر، قال: الله أكثر".. وإن من أعظم ما تعالج به الغفلة: ذكر الموت وما بعده، فهو واعظ بليغ، وزاجر قوي.. من أكثر من ذكر الموت استفاق قلبه، واستقامت نفسه، وصلحت أعماله، فسلم من الغفلة.
ونقدم لكم من خلال موقع "فيتو"، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم، أسعار الدولار، أسعار اليورو، أسعار العملات، أخبار الرياضة، أخبار مصر، أخبار الاقتصاد، أخبار المحافظات، أخبار السياسة، أخبار الحوادث، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي، الدوري الإيطالي، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا، دوري أبطال أفريقيا، دوري أبطال آسيا، والأحداث الهامة والسياسة الخارجية والداخلية، بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية