رئيس التحرير
عصام كامل

صديقي الإخواني هاني صلاح الدين


نعم هو صديقي، نعم هو إخواني، اسمه هاني صلاح الدين. من أعز أصدقائي. كان يحبني من كل قلبه وأنا كذلك. من أفضل من عملت معهم. فقد كان صاحب فضل كبير في بناء المشروع العظيم لموقع اليوم السابع الإلكتروني. عندما كنت مديرًا لتحريره، كان رئيسًا للديسك. رغم الخلاف الأيديولوجي العميق بينه وبيني لم يحدث أن اختلفنا مهنيا. كما لم يحدث أن كان منافقًا أو كذابًا، لكنه طوال الوقت كان يعمل بإخلاص وكفاءة، شجعت صديقي وأخي خالد صلاح رئيس التحرير لترقيته ليكون مدير تحرير الموقع الإلكتروني.


بالطبع كنا دائمي النقاش والشجار السياسي، بل وشهد موقع اليوم السابع سجالًا سياسيًا وفكريًا وأحيانا دينيًا بيني وبينه. وهو السجال الذي رحب هاني وهو الإخواني، أن أضمنه في كتابي "زوال دولة الإخوان"، الذي صدر في حكم الإخوان عندما كان محمد مرسي رئيسًا لمصر.

أرجو ألا تندهش، أو تتسرع بكيل الاتهامات، فهناك إخوان جيدون وآخرون سيئون مثل كل خلق الله جل علاه. وهناك إخوان إرهابيون وأخرون ضد العنف والقتل وغيرها من الجرائم التي يمكنك أن تصفها بأنها ضد الإنسانية. فلا توجد جماعة بشرية أيًا كانت يمكننا أن نصفها "كلها على بعضها" بأنها كذا وكذا. فهذا ضد العقل وضد الإنسانية. بالضبط كما لا يمكنني أن أصف كل مؤيدي السيسي بأنهم منافقون ويبحثون عن "غنيمة" أو يريدون استعادة دولة الاستبداد. لا يمكنني اعتبار كل مؤيدي الرجل من صحفيين وإعلاميين كذابون ومنافقون لأنهم يصمتون اليوم عما كانوا يدافعون عنه بحرارة بالأمس.

من المهم أن أذكر أنه من الصعب اتهامي من "زعيقة وهتيفة " هذه الأيام، بأنني مناصر للإخوان. فمواقفي يمكنك معرفتها بوضع اسمي على محرك البحث "جوجل". وبسبب ذلك نالني الكثير من الأذى ليس فقط من الإخوان وحلفائهم، ولكن أيضًا من بعض الذين يتربعون هذه الأيام على عروش السياسة والصحافة والإعلام. في الغالب هم الذين سيهاجمونني بشراسة ويخونونني لأنني أكتب عن أخي هاني صلاح وعن كل المظلومين، رغم أنهم أكلوا من خير الإخوان. فقد كان التنظيم الإخواني الفاشي يدعم صحفهم بشراء آلاف النسخ. وكانوا يقيمون التحالفات السياسية معهم، ويصلون إلى عضوية مجالس نقابات ورئاسة غيرها، ويصلون إلى كراسي برلمان وغيرها وغيرها عبر دعم إخواني معروف.

من حسن حظ مصر أن كتاباتهم حول "الفصيل الوطني" -يقصدون الإخوان-، موجود على شبكة الإنترنت وفي أرشيف الصحف بالمجلس الأعلى للصحافة وفي كتبهم بدار الكتب. وفي لقاءاتهم التليفزيونية على اليوتيوب. وأرجو ألا يتبرع منهم واحد ويقول إنهم اكتشفوا أن الإخوان شياطين بعد كذا وكذا. فالحقيقة المرة هي أن كل ما فعله الإخوان بعد ثورة يناير كانوا يفعلون مثله قبلها. والحقيقة المرة أيضًا أن كل ما فعلوه عندما كانوا يحكمون مصر، موجود في بعض أدبياتهم ولم يكن في الأمر أية تغيير أو مفاجأة، بما فيه التكفير والدعوة الضمنية للعنف.

التغيير الوحيد هو أن المصالح تغيرت، وتغيرت من بعدها الولاءات. تغيرت مصالح من تحالفوا معهم وتغيرت ولاءاتهم. فقبل ثورة 25 يناير كانت المكاسب ليست قليلة من معارضة مبارك "عمال على بطال" وفي التحالف مع خصومه وخاصة الإخوان. وبعد 3 يونيو أصبح هؤلاء جزءًا من السلطة، أو في حضنها، ينعمون بما كانوا لم ينالوه في عهد مبارك. فربما كان الأمر ليس أكثر من أنهم كانوا يريدون الجلوس على مقعد مبارك ومن بعده مرسي. وها قد تحقق المراد ويبررون اليوم كل الجرائم، فكل شىء مباح لكي يبقون في السلطة إلى الأبد. ليست هناك مشكلة كبيرة الآن في القتل والسجن والتعذيب والانتهاكات المروعة. وهم أنفسهم الذين كانوا يقيمون الدنيا ولا يقعدوها لو حد "داس على طرف "صحفي أو ناشط سياسي أيام مبارك وأيام مرسي.

لكن لماذا أكتب عن هاني صلاح الدين؟
ليس فقط لأنه صديقي وأخي، ولكن أيضًا لأسباب كثيرة. أولها أنه مسجون ومثله آلاف ظلمًا. ليس فقط من الإخوان، ولكن من كل الأطياف السياسية، بمن فيها حتى حلفاء شاركوا في ثورة 30 يونيو وما بعدها. هاني لم يحمل سلاحًا ولا مولوتوفًا. فتهمته هي نشر أخبار كاذبة تثير الرأي العام. وهي كما يعرف القارئ الكريم تهمة مطاطة، كان يستخدمها الرئيس الأسبق مبارك ضد خصومه، واستخدمها من بعده من حكموا مصر وصولًا إلى من يحكمون الآن. ثم أننا لو طبقنا على الجميع تهمة التحريض ونشر أخبار كاذبة وإثارة الرأي العام، فسوف يجلس بجوار هاني في السجن الكثير من السادة الزعماء (مذيعون وصحفيون وإعلاميون وسياسيون) المنتشرون الآن يقذفون رءوسنا بأكاذيب وافتراءات "وطنية"، ويحرضون على القتل وعلى الديكتاتورية وعلى خراب البلد، ويبررون الآن ما كانوا يشنون حربًا ضارية ضده في الماضي.

السبب الثاني أنني كنت أتمنى ألا يصل الأمر بهاني وكثير من قادة الإخوان وشبابهم وقطاع كبير من الإسلاميين إلى هذا الطريق المسدود. فقد كان عليهم بعد الثورة وبعد وصولهم للحكم أن يتخلوا إلى الأبد عن التنظيم السري الدولي (كتبت وقلت هذا في وجودهم في الحكم، عندما كان ينافقهم البعض ويصمتون). الأمر الثاني أن يدركوا سلميًا أن مشروعهم لدولة دينية مستحيل. وأنهم مجرد شريك صغير في الوطن. وإذا وصلوا إلى الحكم، فمهمتهم هي إدارة الدولة بكفاءة، وليس خطفها. ليست مهمتهم اعتقال المصريين داخل مشروع فاشي ديكتاتوري بغطاء ديني.

كما كنت أتمنى بعد الإطاحة بالإخوان في 30 يونيو، وكنت مؤيدًا ومشاركا فيها، أن يدعوا من تولوا حكم البلد إلى انتخابات رئاسية مبكرة، يشارك فيها الإخوان وغيرهم. ويتلوها دستور جديد وانتخابات برلمانية.. الخ.

لكن كلا الطرفين شد الحبل حتى نهايته. ووصلنا إلى ما نحن فيه الآن. عصف واستبداد في مواجهة الإخوان بالحق وبالظلم. وعصف بكل من يختلف مع من يحكمون الآن. وتبرير للاستبداد والظلم وقتل المصريين في الشوارع بلا رحمة. الإخوان وحلفاؤهم على الجانب الآخر، بعضهم يبرر العنف والإرهاب ويدعو إليه. لا يريدون الاعتراف بالهزيمة السياسية وأن عليهم إعلان موقف حاسم من الإرهاب والعنف والعودة مرة أخرى إلى حلبة السياسة بدون تنظيم سري وبدون طلاء ديني.

لا أظن أنهم سيفعلون. ولا أظن أن من يتلون حكم مصر الآن "وبعد شويه" سيفتحون مسارًا آمنًا لمن يريد الاندماج في الدولة المصرية. فكل المؤشرات تؤكد أنهم يريدون إعادة إنتاج الاستبداد "بطلاء وطني". وأظن أنك مثلي تكره الاستبداد أيًا كان الطلاء، بكاب أو ذقن أو بدله وجرافته. فليس هناك استبداد حلال وآخر حرام.. كله حرام.
وحرام بقاء هاني صلاح الدين وكل مظلوم في السجن. حرام قتل أي برىء.. فمصر يجب أن تتسع لنا جميعًا. مثلما اتسعت تجربة اليوم السابع العظيمة لي ولهاني ولكل المصريين.
الجريدة الرسمية