رئيس التحرير
عصام كامل

"السد العالي".. بوابة عبد الناصر للاستقلال

الزعيم الراحل جمال
الزعيم الراحل جمال عبد الناصر

"قلنا حنبني وده احنا بنينا السد العالي"، لم تكن مجرد كلمات عكست أمجاد وبطولات ذلك الزمان، بل كانت ترجمة لحلم إلتف حوله ملايين المصريين في ذلك الزمان، إنما كانت رمزا لنضال حركة قادها الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر، من أجل الاستقلال بمصر ورفعتها.


في 14 مايو عام 1964، وضع جمال عبد الناصر، والزعيم السوفيتي "خروشوف"، إصبعيهما على "زر" تحويل مجري مياه نهر النيل، عقب الانتهاء من المرحلة الأولى لبناء السد.

لم يكن السد هدفا في حد ذاته، وإن كان ليحمي آلاف الأفدنة وعشرات المدن من الغرق، غير أنه كان وسيلة للتنمية والنهضة، وزيادة البقعة الزراعية لتقابل زيادة السكان، ويعد أهم مشروع تنموي نفذه ناصر، لتوفير مياه الري، ولذلك فكرت الثورة في مشروع السد العالي، وقدر رأس المال المستثمر في مشروع السد العالي ما بين ٦٩٠ مليون دولار إلى ١،٥ مليار دولار.

كان للمشروع تداعيات عالمية ومحلية، بالغة المدى لحكم الرئيس عبد الناصر، فقد اتخذت الحكومة المصرية قرارها بشأن مشروع بناء السد العالي في عام ١٩٥٤ (تعززت هذه الفكرة على يد الخبير الزراعي اليوناني أدريان دانينوس)، وتم طرح المشروع على الولايات المتحدة وبريطانيا، علاوة على البنك الدولي للإنشاء والتعمير، الذي تملك فيه هاتان الدولتان صوتا نافذا، على أن عدم التوصل إلى اتفاق سياسي بين الولايات المتحدة ومصر حول موضوع مبيعات السلاح، وقرار مصر الناجم عن ذلك بشراء الأسلحة من تشيكوسلوفاكيا، ففي يوليو من تلك السنة انسحبت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا من الإسهام في المشروع بعد أن رفضت مصر طلبهما بالإشراف الخارجي على اقتصادها، وجاء رد فعل مصر بتأميم قناة السويس في نفس الشهر، وأعلنت أنها ستستخدم عائداتها في تمويل بناء السد العالي، وفي أكتوبر ونوفمبر ١٩٥٦ تعرضت مصر لعدوان من إسرائيل وبريطانيا وفرنسا نتيجة قرار التأميم، وبعد ذلك بات تنفيذ إنشاء السد العالي، على المستويين السياسي والاقتصادي، مهمة عاجلة لحكومة عبد الناصر.

كان موقف الاتحاد السوفيتي  مضادا للولايات المتحدة، فقد وافق على تقديم سلفة أولية قيمتها ٣٢٠ مليون دولار في عام ١٩٥٨، وأسهم في جميع مراحل تصميم وبناء السد العالي، وأنشأت الحكومة المصرية هيئة إدارية خاصة للإشراف على المشروع، ونتيجة لأعمال البناء في السد جرى تهجير سكان النوبة الذين كانوا قد استقروا في المناطق الواقعة شمال السد وحول كوم أمبو، وتم حل المشاكل الناجمة عن تعرض آثار أبوسمبل للغرق في البحيرة التي تقرر إنشاؤها خلف السد بمشاركة اليونسكو، حيث نظمت حملة عالمية لجمع الأموال اللازمة لرفع ثلاث معابد كبيرة ونقلها: اثنان في"أبوسمبل" (انتقلا في ١٩٦٨)، و"معابد فيله" (أعيد افتتاحها في موقع جديد عام ١٩٨٠). وافتتح السد العالي رسميًا في ١٥ يناير ١٩٧١، وأصبح السد العالي بأسوان يتقدم واحدة من أكبر الخزانات في العالم –بحيرة ناصر– التي تغطى مساحة ٢٠٠٠ ميل مربع.

بناء السد العالي انتقده البعض على المستوي الضيق، خاصة بعد أن غمرت بحيرة ناصر قرى نوبية كثيرة، مما أدى إلى ترحيل أهلها، بيما يسمى بالتهجيرة النوبية.

كما عدد آخرون بعض السلبيات، في حرمان وادي النيل من طمي الفيضان المغذي للتربة، زيادة النحر حول قواعد المنشآت النهرية، تآكل شواطئ الدلتا.

فيما أشارت بعض التقديرات إلى أن كمية التبخر في مياه بحيرة ناصر خلف السد العالي كبيرة جدًا لتعرض مساحة كبيرة من المياه للشمس في مناخ حار جدًا، ويقدر حجم الخسارة ما يماثل حصة العراق من نهر الفرات، إضافة إلى انتشار بعض النباتات وتأقلمها مع الظروف الجديدة وإسهامها في عملية النتح وبالتالي مزيدا من الخسارة في المياه، ويرى البعض بأن السد العالي يمثل تهديدًا عسكريًا لمصر، إذ يصعب تخيل النتائج التي يمكن أن تترتب على تفجير السد، وحجم الفيضان الذي سيصيب المدن المصرية الواقعة على مسار النهر والتي ستكون أمام طوفان خطير.

وفي إطار الاحتفالات بتحويل مجري نهري النيل، يشهد المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء، والدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة، الاحتفال بمرور 50 عامًا على تحويل مجرى نهر النيل تحت عنوان "مصر وروسيا صداقة دائمة"، على المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية مساء اليوم.

الجريدة الرسمية