رئيس التحرير
عصام كامل

الحابل والنابل


الحلال بين.. والحرام بين.. ولكن للأسف في السنوات الأخيرة.. اختلط الحابل بالنابل في مصر.. اختلط الأبيض بالأسود والحق بالباطل.. وحول البعض الحرام إلى حلال بالتغابى أحيانًا وبالتجاهل أحيانًا وبالتحايل في كثير من الأحيان.. كل واحد يصرخ ويستغيث ويدعو على من يسرقه وهو يسرق الآخرين بشكل أو بأشكال مختلفة.. كل واحد يجأر بالشكوى ويدعو على من يظلمه وهو يظلم بشكل أو بآخر.. كل واحد يرى أخطاء الآخرين ويتعامى عن أخطائه.. ولهذا كثرت السرقات والمظالم والأخطاء.. وغرقنا في بحر الدعوات على بعضنا البعض.. وتاهت الحقيقة..


أي ازدواجية تلك التي غرق المجتمع فيها حتى أذنيه.. للأسف المجتمع يعمل بالمثل الشعبى ( يشوف القشاية في عين غيره وما يشوفش العصاية في عينه).. علينا أن نعالج عيوبنا قبل أن نعيب على الآخرين.. علينا أن نتخلص من هذه الازدواجية التي نعيش بها حياتنا منذ سنوات.. قال الله تعالى ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) وصدق الشاعر القديم – الذي اختلفوا على اسمه - حين قال:
وَتَراكَ تُصْـلِحُ بِالـرَّشَـادِ عُقُولَنَا.. أَبَدًا وَأَنْتَ مِـنَ الرَّشَـادِ عَقِيـمُ
لا تَنْهَ عَـنْ خُلُـقٍ وَتَأْتِـيَ مِثْلَـهُ.. عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَـلْـتَ عَظِيـمُ

يا سادة معظمنا ظالم ومظلوم في الوقت نفسه لسبب بسيط جدًا لأننا نتجاهل ونتعامى عن الفرق بين الحق والباطل.. بالله عليكم.. هل الدروس الخصوصية حلال.. بالطبع لا لأنها وببساطة حولت التعليم إلى تجارة.. المدرس يُخالف القانون.. ولكنه يجد لنفسه المبررات.. والمعاذير.. والوزارة تعرف.. ولكنها تتجاهل الأمر وكأنه لا يعنيها.. ربما تخشى من غضبة المدرسين.. وربما لأن البعض يستفيد من الوضع القائم.. ومن حجم الأموال المُهدرة سنويًا في الدروس الخصوصية والتي تبلغ مليارات.. المستشفيات الخاصة تحولت إلى استثمار وكأن المرض والصحة سلع تُباع وتُشترى.. وتغاضى المرضى وتغاضت الدولة عن التجارة في الصحة أو بالصحة أو تجارة الاستشفاء – إن صح التعبير..

تحولت الصيدليات إلى سوبر ماركت.. دواء مستورد ودواء محلى ودواء مُهرب كله جنبا إلى جنب.. الماكياج والشامبو والصابون.. وكله يتم باسم البيع والشراء.. التهريب يتم من الجمارك بكافة الأشكال والوسائل والدولة تعرف.. ولكنها تدعى أنها لا تملك إمكانيات المنع الكامل رغم أنها تملك من وسائل الردع والعقاب الكثير ولكن مصالح الكثيرين أقوى من القانون والردع.. ولهذا امتلأت الشوارع بالسلع المُهربة التي أضرت بالصناعات الوطنية وأدت لإغلاق العديد من الورش والمصانع..

التسيب وإهدار المال العام في كل مكان في المحليات حتى تحولت المحليات إلى بؤر للفساد والإفساد.. والدولة تعلم وتقول لا نملك وسائل كافية للردع.. لو عددنا مظاهر الحرام والكسب الحرام لما استطعنا الحصر لأنها زادت وتشعبت وتغلغلت في كل مفاصل الحياة.. والغريب أن من يرتكب هذا الحرام.. يصيح لأنه يُعانى من حرام آخر يقع عليه أو يُرتكب ضده ولم يقف ويسأل نفسه مرة واحدة " أليس هذا عقابا من الله "..

للأسف إن هذا الخلط الهائل للأمور.. وهذا التعامى عن حقيقة ما حدث من انقلاب في منظومة القيم المجتمعية.. وخلط الحق بالباطل هو أسوأ ما أصاب مجتمعنا في السنوات الماضية..

إن كنا نريد الإصلاح حقًا.. فالإصلاح الحقيقى يبدأ من الداخل.. من داخل كل منا.. يا عالم الحلال بين والحرام بين.. وكفانا خلطًا للأوراق.. وكفانا تعاميًا عن الأخطاء التي ارتكبناها في حق أنفسنا وفي حق هذا الوطن بخلطنا للحق والباطل.. والحلال والحرام.. فالحق واضح والباطل واضح ولكن يبدو أننا استسهلنا الخطأ.. ولا أريد أن أقول الحرام.
الجريدة الرسمية