رئيس التحرير
عصام كامل

رحم الله عمدة الدراما المصرية

 كم كان صادمًا رحيل عمدة الدراما المصرية الفنان الكبير صلاح السعدني في صمت بعد أن قدم أعمالًا فنية عظيمة، أهمها وأكثرها التصاقًا بالذاكرة دوره الرائع العمدة سليمان غانم في رائعة أسامة أنور عكاشة ليالي الحلمية.


صلاح السعدنى فنان ملتزم بقضايا وطنه، وهو مثقف من طراز خاص تتجسد ثقافته في سلوكه وأدائه وإيماءاته ونظرات عينيه، وصوته الجهوري، ومخارج حروفه، لا تجد صعوبة في تصديقه؛ فالصادق -كما يقولون- منذور دائما للصدق..

 

وصلاح السعدني كان صادقا في فنه مؤمنا برسالته فصدقه فنه وصدقته أقداره، وليس عجيبًا أن يكون مثقفًا عميق الرؤية والحس؛ فشقيقه الأكبر الكاتب الساخر المبدع الكبير محمود السعدني أحد رواد الصحافة الساخرة.


صلاح السعدنى أمتعنا بأدوار متميزة في الدراما والسينما على السواء..فلم يكن مجرد ممثل عابر يبحث عن دور أكل عيش أو باحث عن الشهرة كما نرى من عشرات الممثلين في هذه الأيام بل كان فنانًا واعيًا يحسن اختيار أدواره وقضاياه ومواقفه التي تشتبك مع الواقع وتتبنى هموم المواطن والوطن.. كان يقول عن نفسه إنه ابن ثورة يوليو، وأنه ناصرى حتى النخاع، منحاز لقيم الاشتراكية والطبقات العاملة والكادحة.


صلاح السعدنى الفنان وجه مشع بالحب والإنسانية والرقي، والفنان مهما كان الفن الذي ينتمي إليه لا بد له من ثقافة، وصلاح السعدني كان مثقفا، تنعكس ثقافته في سلوكه، وأدائه، وإيماءاته، جرى اختياره ليكون عصفور في المكتوب على الجبين من تأليف توفيق الحكيم 1986.. 

 

وياسين في ثلاثية نجيب محفوظ 1987، وحسن النعماني والعمدة سليمان غانم في رائعتي أسامة أنور عكاشة: أرابيسك 1994، وليالي الحلمية 1987، وأبو عزة وحمدي المدمن في مسرحيتي الملك هو الملك لسعد الله ونوس 1995، والدخان لميخائيل رومان 1984.. 

 

والدكتور عزيز محفوظ في الأصدقاء لكرم النجار، وحازم في سفر الأحلام لوحيد حامد 1986، وأبو المكارم الأخرس في الضحية 1964.


صحيح أنه توارى فنيًا في الفترة الأخيرة، لكن ما قدمه من أعمال تبقيه حيًا في ذاكرة المحبين والجمهور، فأدواره كانت مؤثرة بحق ما جعلها تعلق بالذاكرة، وتترك بصمتها في الروح والعقل، ومعظم أعماله اكتسبت خلودًا مغلفًا بحب من نوع خاص من الناس.


 ولست أبالغ إذا قلت إن بعض الشخصيات التي جسدها السعدنى صارت جزءا من حياة كثيرين يحاولون استلهام روحها ونهجها في حياتهم كما في حلم الجنوبى والأصدقاء وليالي الحلمية وغيرها من أعمال فنية خالدة صارت لفرط روعتها جزءا من تاريخ هذا الوطن.. 

 

فمن منا لا يتمنى أن يكون حسن أرابيسك ابن البلد الجدع الرزين المحبوب من جيرانه وأبناء منطقته، وليس ذلك إلا لأن الراحل صلاح السعدني نجح في تجسيد شخصيات قادرة على الخروج من الفن للحياة، لدرجة أننا نجد عزاءنا في رحيله في كل هذه الشخصيات التي جسدها ثم تركها تعيش فينا ونعيش فيها ومعها كل المواقف الجميلة.

 


صلاح السعدني أدى أدواره بتمكن وهدوء وحكمة، غير زاعق ولا جارح ولا ثقيل على مشاهديه، كان رحمه الله روحًا نبيلة وهدية مصرية خالصة، وزعت نبلها وشهامتها ومروءتها على كل مكان وتركت أثرها الطيب البناء في كل نفس.. رحم الله الأخوين السعدنى بقدر ما أسعدونا في حياتهما وأوجعونا برحيلهما!

الجريدة الرسمية