رئيس التحرير
عصام كامل

مكرم محمد أحمد الذي ينبغى أن نتعلم منه!

كم نتمنى أن تتعلم القيادات الصحفية الجديدة من مكرم محمد أحمد الذي كان واحدا من القامات الصحفية الرفيعة، فلم يكن مجرد قلم متميز ترك تراثًا صحفيًا وسياسيًا متفردًا سيظل قدوة للأجيال بعد عطاء حافل تجاوز ستين عامًا، منذ تخرج فى كلية الآداب جامعة القاهرة، مرورًا بمحطات عديدة من الصحف والمجلات، بل كان قيادة صحفية بارزة ونقيبًا للصحفيين لعدة دورات، ورئيسًا لمجلس إدارة دار الهلال، وعضوًا بمجلس الشورى 4 دورات متتالية.. 

 

كان مكرم محمد أحمد أول رئيس للمجلس الأعلى للإعلام في مصر، وقد نجح من خلاله في وضع ضوابط عديدة للمشهد الصحفي والإعلامي، أسهمت في صونه من حالة الفوضى والانفلات دون المساس بحرية الرأي والتعبير، وكانت له مقولة مشهورة مفادها أن تراجع الصحافة في الآونة الأخيرة كان نتيجة عزوف القراء عنها؛ بعد أن تخلت هي عن همومهم وقضاياهم ومشاكلهم ومتاعبهم. 


ولا ننسى أن الراحل الكبير مكرم محمد أحمد قدم خدمات جليلة لأبناء المهنة التى عشقها وأخلص لها، وظل يمارسها بقلمه السلس، فى عموده اليومي بصحيفة الأهرام، «نقطة نور»، إلى عدة أسابيع قبل رحيله، كما كان له دوره الوطنى المهم في التوعية والتنوير، وإسهاماته المتميزة في إدارة حوار عقلاني مع جماعات التطرف في ذروة صعودها وتهديدها لأمن البلاد والعباد.


كان كاتبنا الراحل الكبير مكرم محمد أحمد مفعمًا بحب الصحافة فقد كان يحمل دائمًا في جيبه مفكرة أو دفترًا ورقيًا صغيرًا لتدوين أي خبر أو فكرة تتدفق إلى ذهنه تصلح أساسًا لمقال صحفي أو تحقيق أو تحليل وهذا درس للأجيال الجديدة ليعلموا أن الصحفي الحق فكر متوقد وشعلة نشاط لا تهدأ.. بل ولا يخرج على المعاش أبدًا بل يظل نبعًا للتنوير والوعى المتجدد.


إنسانيًا..عرفت كاتبنا الراحل مكرم محمد أحمد عن قرب؛ وقد كان واضحًا ذا وجه واحد لا يعرف التلون ولا الأكل على كل الموائد؛ عف اللسان لا تشغله خلافات ولا تعكر صفوه عداوات شخصية ولا تستنزفه معارك جانبية ولا تبعده عن أهدافه الكبرى.. 

 

وأذكر أنه حين كان نقيبًا للصحفيين وكنت أمينًا عامًا للنقابة، أو ما يطلق عليه السكرتير العام وذهبت إليه بصحبة زميلي الخلوق محمد عبدالقدوس وكيل النقابة يومها نشكو له سوء أدب أحد الزملاء الذي كان مدفوعًا من آخرين للهجوم علينا بأقذع الألفاظ وأحطها، وطلبنا منه التضامن معنا في بلاغ كنا ننتوى تقديمه للنائب العام ضد هذا الزميل، لكنه رفض قائلًا "اللي يشتم يشتم وليقل ما يشاء" رافضًا جرجرة أي صحفي للنيابة.


مكرم محمد أحمد رحمه الله كان صريحًا لا يجامل في الحق ولا يخضع للابتزاز ولا يستجيب للوشاية.. ولا أنسى يوم ذهب إليه عضو بمجلس النقابة أيامها بمكتبه في دار الهلال، طالبًا منه تغيير هيئة المكتب لتعيينه في منصب السكرتير بدلا مني لكنه رفض، ثم واجه هذا الزميل في أول اجتماع وفضح سوء نواياه أمام الجميع.


في رأيي أن مكرم محمد أحمد كان نقابيًا مرموقًا حظي بإجماع الجماعة الصحفية رغم ما عرف عنه من مساندة الدولة والدفاع عنها، كان نقابيًا بدرجة مقاتل لا يهادن ولا يفرط في حقوق الصحفي ولا كرامته، ولا يساوم على حرية القلم والرأي والتعبير، بل كان من أشد المدافعين عن الحريات وعن المحبوسين في قضايا الرأي أيًا ما كانت توجهاتهم ومشاربهم. 


فكريًا.. كان ل مكرم محمد أحمد إسهامات ثقافية وبصمات ومعارك صحفية تاريخية سطرها بضميره الصحفي على مدى 60 عامًا، تبنى خلالها بإخلاص قضايا وطنه وأمته ودافع عنها بجرأة وصراحة ربما جرت عليه المتاعب أحيانًا.. لكنه أثري بفكره الحياة العامة والثقافية حتى بات من أهم الصحفيين والكتاب العرب في عصره، الذي ما زلت مقتنعًا بأنه يستحق أرفع الجوائز والتكريمات.. 

 

أرجو أن تتبنى النقابة فكرة ترشيحه لإحدى جوائز الدولة التي يستحقها عن جدارة كواحد من أبرز الوجوه النقابية للصحفيين، الذي لم يتوان عن الانتصار للمهنة وقيمها والدفاع عنها مهما كلفه ذلك، ولا ننسى موقفه في مواجهة القانون المشبوه 93 الذي عرف بقانون إغتيال الصحافة الذي أسقطته الجماعة الصحفية بعزم لا يلين وإصرار وإجماع نادر..

 

 

رحم الله الزميل الكبير مكرم محمد أحمد الذي كان عملة نادرة قلّ أن يجود الزمان بمثله.. تُرى لو كان مكرم بيننا هل كان سيعجبه حال الصحافة وما آلت إليه في المحتوى والتوزيع والتأثير.. وماذا كان سيفعل لو كان على رأس النقابة.. وليس عيبا أن نتعلم من مكرم محمد أحمد رحمه الله كيف يكون الإعلامي والصحفي.. وأيضا كيف يكون النقابى الذي يدافع عن المهنة وحقوق أبنائها ولم يمنعه دفاعه عن الدولة أن ينتصر لقيم المهنة وحرية الرأي والتعبير لأبعد حد؟!

الجريدة الرسمية