رئيس التحرير
عصام كامل

الثأر الإيراني بين التهويل والتخوين!

توقعت الأسبوع الماضي محاولة إسرائيل الهروب للأمام للخروج من مأزق ومستنقع غزة، بمحاولة جر العالم الغربي إلى حرب إقليمية في الشرق الأوسط قد تتطور لحرب عالمية محدودة، لرسم خريطة جديدة للشرق الأوسط تكون هي على قمته، ولتأكيد إستمرار هيمنة الكاوبوى الأمريكى كقطب أوحد في ظل إنشغال روسيا مع أوكرانيا، وتحفظ التنين الصينى عن الخروج من مخبئه للوقت الذى يحدده هو!


بدأ السيناريو بحرب غزة ثم بضرب القنصلية الإيرانية في سوريا، ورغم الإنتهاك الإسرائيلي لقوانين الدبلوماسية الدولية إلا أن مجلس الأمن والأمم المتحدة عجزا عن إصدار بيان إدانة، بسبب التحركات الفرنسية والبريطانية، ولو صدر بيان ولو هزيل لكان مبررا لحفظ ماء وجه طهران أمام شعبها وحلفائها.


وعلى النقيض صدرت بيانات الشجب والإدانة بسرعة من هنا وهناك عقب الهجوم الإيرانى على إسرائيل، ولم يقل أحد أن الهجوم رد فعل لضرب القنصلية الإيرانية في سوريا، ورد كرامة قانون دولى منتهك، وثأرا لإنتهاك سيادة دولة لم يقف معها أحد من المجتمع الدولى ومنظماته، وإذا كان الفعل الإيرانى يستحق الإدانة فمن باب أولى تكون الإدانة المبدئية على الفعل الأصلى والمجرم الصهيونى الذى بدأ الإعتداء.


المهم تثور آلاف الأسئلة من هنا وهناك، مع بداية إعلان طهران بعد دقائق من الهجوم بانتهاء ضربتها الإنتقامية، وبأنها أخذت حقها رغم عدم وقوع أى خسائر مادية أو بشرية تعادل ما وقع لها في قنصليتها في دمشق أو الإعتداءات السابقة على رجالها من علماء وقاده عسكريون... الخ.


وبعيدا عن سيناريوهات التهويل والتهوين التى أرفضها جميعا تتوالى الأسئلة التى تبحث عن اجابات، وإذا وجدت ولدت أسئلة جديدة إلى مالا نهاية، وعلى أية حال قد يؤدى التفكير والتساؤل لبداية فهم ما يحدث رغم غياب المعلومات الحقيقية، وخبرتنا المتراكمة تؤكد أن ما يعلن على الملأ لا علاقه له بالحقيقة غالبا.


التهوين والتخوين

ومن عينة الاسئلة في معسكرات التهوين والتخوين والتقليل وعدم اليقين من قدراتنا في مواجهة السرطان الصهيونى.. هل ماحدث مجرد مشهد من مسرحية تزامنت مع مسرحيات أيام العيد، وأن ما أطلق من صواريخ وطائرات مسيرة لا تزيد عن الطائرات الورقية وبمب وصواريخ العيد التى يلهو بها أطفالنا؟


يدعم هذا التصور تصريحات طهران والبيت الابيض بعد دقائق من بدء الهجوم وقبل أن نفرح به، بما يوحى بإن هناك اتفاق مسبق بين واشنطن وطهران على هذه المسرحية، مع توزيع الأدوار بشكل مفضوح لحفظ ماء وجه إيران بين حلفائها، ودغدغه مشاعر الشعب الإيرانى حتى لا يفقد الثقة فى حكامه ومحاولة البحث عن  دور وزعامة في العالمين العربى والاسلامى.


ويؤكد هذا المنحى التخوينى التحذير الإيرانى المعلن والذى وصل إلى حد الإبلاغ عن موعد اطلاق الصواريخ والطائرات ب 72 ساعة، يعنى الحصول على إذن المخرج الساكن في البيت الابيض لينكشف المستور عن غياب المفاجأة سبب نجاح أى فعل حربى ولن أقول معركة، مثل هجوم حماس 7 اكتوبر الماضى على إسرائيل.

 
ولم تكتف ايران بإخبار البيت الأبيض بموعد الهجوم بل أبلغت بعض الدول المجاورة، وما حدث يجعلنى أتذكرحكاية محطة المطار السرى التى كان ينادى عليها السائقون والمواطنون عند التوقف عندها، أو جملة اسماعيل يس الشهيرة: فتشنى فتش!


وتتوالى الأسئلة: أليس الإبلاغ كان سببا فى حشد واستعداد القدرات الحربيه والتكنولوجية لأربع دول كبرى لاحباط هذا الهجوم، أقصد الولايات المتحده وبريطانيا وفرنسا والمانيا بالاضافة إلى إسرائيل وغيرهم ممن لم يعلن عنهم.

 والأمر التالى الذى لا يقل غرابه ويؤكد المشهد المسرحى، رفض الرئيس الامريكى بايدن لأى رد انتقامى إسرائيلى على إيران، قائلا لنتنياهو "كفاكم من نصر بصد هذا الهجوم".


السيناريو الآخر

وبعيد عن السيناريو السابق بسبب عدم تصديق البعض بأننا نستطيع الانتصار على إسرائيل، وأنها كائن هش ويمكن هزيمته بسهولة، وأن قوتها المزعومة مستمدة ممن زرعها بيننا لتحقيق مصالحه.. وتعالوا نسأل بكل موضوعية ألا يعد الهجوم الإيرانى المباشر على إسرائيل نجاحا يحسب لطهران بإنها هاجمت لأول مرة إسرائيل في عقر دارها، رغم عدم وجود حدود مباشرة معها.. 

 

وأن الذعر داخل اسرائيل بسبب هذه الصواريخ يكفى لضرب صورة إسرائيل وجيشها ودفاعها الجوى في مقتل ويبدد خرافة قبتها الحديدية التى لم تفلح في صد الهجوم واستعانت بمن زرعها بيننا، لمواجهة سيول الصواريخ والطائرات المسيرة المنطلقة لأول مرة من داخل إيران إلى جانب لبنان والعراق واليمن، ولولا تدخل أربع من أكبر القوى العسكرية والتكنولوجية العالمية لكان الكيان الصهيوني الآن صريعا بأكثر من 150 صاروخا و150 طائرة وتحول فلسطين المحتلة إلى جهنم ومقبرة جماعية للصهاينة.


ومما يؤكد الفزع والجبن الإسرائيل لأول مرة بهذا الشكل انطلاق أصوات تحذر من مغبة الرد على إيران، بعيدا طبعا عن الأصوات اليمينية المتطرفة، والسبب هو الخوف من رد فعل إيران وحلفائها من حزب الله والحوثيين والجماعات المسلحة في العراق مما يجر المنطقة إلى حرب إقليمية..

 
وحتى واشنطن ذاتها أعلنت تخوفها من إتساع الحرب التى تهدد مصالحها وتشكل خطرا على قواعدها المنتشرة في المنطقة، بالاضافة لاحتمالات غلق مضيق هرمز والبحر الأحمر حيث تمر أكثر من 12 % من تجارة العالم بالإضافة لتهديد إمدادات النفط إلى الغرب.


وتجلى التخوف الامريكى في ضغط الرئيس جو بايدن بشدة على نتنياهو للإمتناع عن شن ضربة جوية على إيران وإعلانه أنه لم يعلم بقرار إسرائيل بضرب القنصلية الإيرانية في سوريا،
ورغم عدم تصديقى للرواية الأخيرة، وأظنها توزيع أدوار، على الأقل حتى لا تكون المخابرات الامريكية آخر من يعلم!


لكن الشعور الذى لا يريد البعض منا تصديقه بأن الضربة أوجعت إسرائيل وهزت هيبتها وبعثرت كرامتها مثلما فعلت حماس يوم 7 أكتوبرالماضى، واستمرارها في المقاومة ل 6 أشهر، ويظهر ذلك في تصريحات بعض الوزراء هناك بأن الفرصة قد حانت الآن لقلب الأمور بالكامل.. 

حرب إقليمية يقف فيها الغرب والدول السنية خلف إسرائيل بطريقة أو بأخرى، مما يؤدي إلى خسارة إيران لأصولها الاستراتيجية، وتدمير معظم ترسانة حزب الله مع تعرض لبنان لأضرار جسيمة في البنية التحتية.

 


قد تجيب الأيام القادمة عن بعض الأسئلة أو تغرقنا في محيط أكبر من الأسئلة التى تبحث عن إجابة!
yousrielsaid @ yahoo. com

الجريدة الرسمية