خالد دومة يكتب: بعد مائة عام.. من يذكرك؟!
وقفَ مشرفًا على قريته، يراقبُها من بعيد، يفكرُ في مستقبله وحال القرية بعد مائة عام.
فجأة.. عصفت به أفكاره وتحولت إلى اتجاه آخر لم يكن في حسبانه، بعد مائة عام.. تُرى هل أعيش إلى ذلك الحين؛ فأرى ما سيكون؟ إنني لا أتذكر أحًدا منذ مائة عام، أنا أتذكر جدي الذي مات منذ عشر سنين، لكن والدَ جدي.. هل أذكره؟
يا لَّله! إن مائةً من السنين كفيلة بـمَحْوِ جيلٍ والذهاب بآثاره، وأنا.. من المؤكَّد أنني من الجيل الذاهب في المائة القادمة!..
هنا.. تذكر قصة عزير.. قال تعالى: ﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
تُرى لو أن عزيرًا ترك في القرية شيئًا يُذكّرهم به، لا بد أنه مغتبطٌ بما سيجد من حسن الذكر، وبقاء الأثر،، في خضم التفكير تذكر قول شوقي: دقّــــــاتُ قلــــــبِ الـمَــــرْءِ قائلــةٌ لهُ ... إنّ الـحـــــياةَ دقـــــــائقٌ وثوانِ فاتركْ لنفسكَ بعد موتكَ ذِكرَها ... فالذكرُ للإنسانِ عمرٌ ثانِ
ما أصدق الكلمات! رحل شوقي منذ 90 عاما، ومازالت أشعاره باقية.
منذ أكثر من ألف وأربع مائة عام خاطب الشاعر الجاهلي حاتم الطائي زوجته ماويّة وقد لامته على كثرة الإنفاق: أماويَّ إنَّ المالَ غادٍ ورائحٌ ... ويبقَى من المالِ الأحاديثُ والذكرُ .. لاريب في أننا راحلون، وترثنا أجيال جديدة، فماذا تركنا لها من خير تذكرنا به؟؟
قد يُذكرُ الإنسان بخير، وقد يذكر بشر، فيخلد التاريخ ذكراه في علّيين أو في أسفل سافلين، أحمد بن حنبل عُذّبَ حتى أشرف على الموت، في فتنة خلق القرآن، كلنا نذكر أحمد ونترحم عليه، لكن هل يذكر أحدٌ جلاديه؟!.
سيبويه وفضله على النحو واللغة هل ينساه أحد وقد مات منذ اثني عشر قرنًا من الزمان.. ذلك الرجل الذي بال في بئر زمزم، فاجتمع عليه الناس، كيف تفعلها في مكان كهذا؟!، فأجابهم: أردت أن أُذكر ولو باللعنات!.
... للحديث بقية